يخبر تعالى عن أهوال يوم القيامة، وما يكون فيه من الأمور العظام، كما قال تعالى :﴿ يَوْمَ تَمُورُ السمآء مَوْراً * وَتَسِيرُ الجبال سَيْراً ﴾ [ الطور : ٩-١٠ ] : أي تذهب من أماكنها وتزول كما قال تعالى :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً ﴾ [ طه : ١٠٥ ]، يذكر تعالى أنه تذهب الجبال وتتساوى المهاد، وتبقى الأرض قاعاً صفصفاً، أي سطحاً مستوياً لا عوج فيه ولا أمتاً، أي ولا وادي ولا جبل. ولهذا قال تعالى :﴿ وَتَرَى الأرض بَارِزَةً ﴾ أي بادية ظاهرة، ليس فيها معلم لأحد ولا مكان يواري أحداً، بل الخلق كلهم ضاحون لربهم لا تخفى عليه منهم خافية. قال مجاهد وقتادة ﴿ وَتَرَى الأرض بَارِزَةً ﴾ : لا حجر فيها ولا غاية، وقال قتادة : لا بناء ولا شجر، وقوله :﴿ وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ﴾ أي وجمعناهم الأولين منهم والآخرين، فلم نترك منهم أحداً لا صغيراً ولا كبيراً. كما قال ﴿ قُلْ إِنَّ الأولين والآخرين * لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾ [ الواقعة : ٤٩-٥٠ ]، وقال :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]، وقوله :﴿ وَعُرِضُواْ على رَبِّكَ صَفَّاً ﴾ يحتمل أن يكون المراد أن جميع الخلائق يقومون بين يدي الله صفاً واحداً، ويحتمل أنهم يقومون صفوفاً صفوفاً، كما قال :﴿ وَجَآءَ رَبُّكَ والملك صَفّاً صَفّاً ﴾ [ الفجر : ٢٢ ]، وقوله :﴿ لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ هذا تقريع للمنكرين للمعاد، وتوبيخ لهم على رؤوس الأشهاد، ولهذا قال تعالى مخاطباً لهم :﴿ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً ﴾ أي ما كان ظنكم أن هذا واقع بكم، ولا أن هذا كائن. وقوله :﴿ وَوُضِعَ الكتاب ﴾ أي كتاب الأعمال، الذي فيه الجليل والحقير، والفتيل والقطمير، والصغير والكبير، ﴿ فَتَرَى المجرمين مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ ﴾ أي من أعمالهم السيئة، وأفعالهم القبيحة، ﴿ وَيَقُولُونَ ياويلتنا ﴾ أي يا حسرتنا وويلنا على ما فرطنا في أعمارنا، ﴿ مَالِ هذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا ﴾ أي لا يترك ذنباً صغيراً ولا كبيراً ولا عملاً وإن صغر، إلاّ أحصاها أي ضبطها وحفظها، وقوله ﴿ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً ﴾ أيمن خير وشر، كما قال تعالى :﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً ﴾ [ آل عمران : ٣٠ ] الآية، وقال تعالى :﴿ يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [ الأنبياء : ١٣ ] وفي الحديث :« يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غدرته، يقال هذه غدرة فلان بن فلان » وقوله :﴿ وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ أي فيحكم بين عباده في أعمالهم جميعاً ولا يظلم أحداً من خلقه، بل يعفو ويصفح ويغفر ويرحم، ويعذب من يشاء بقدرته وحكمته وعدله، ويملأ النار من الكفار وأصحاب المعاصي، ثم ينجي أصحاب المعاصي ويخلد فيها الكافرين، وهو الحاكم الذي لا يجور ولا يظلم، قال تعالى :﴿ إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ﴾


الصفحة التالية
Icon