« يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال :» المسجد الحرام «، قلت : ثم أي؟ قال :» بيت المقدس «، قلت : كم بينهما : قال :» أربعون سنة « الحديث. فزعم ابن حبان أن بين سليمان الذي اعتقد بأنه باني بيت المقدس - وإنما كان جدده بعد خرابه وزخرفه - وبين أبراهيم أربعين سنة، وهذا مما أنكر على ( ابن حيان ) فإن المدة بينهما تزيد على ألوف السنين والله أعلم، وأيضاً فإن وصية يعقوب لبنيه سيأتي ذكرها قريباً، وهذا يدل على أنه هاهنا من جملة الموصين.
وقوله :﴿ يَابَنِيَّ إِنَّ الله اصطفى لَكُمُ الدين فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ أي أحسنوا في حال الحياة، والزموا هذا ليرزقكم الله الوفاة عليه، فإن المرء يموت غالباً على ما كان عليه، ويبعث على ما مات عليه، وقد أجرى الله الكريم عادته بأن من قصد الخير وُفِّق له ويسر عليه، ومن نوى صالحاً ثبت عليه، وهذا لا يعارض ما جاء في الحديث الصحيح :» إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها «، لأنه قد جاء في بعض الروايات هذا الحديث : ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وبعمل أهل النار فيما يبدو للناس، وقد قال الله تعالى :﴿ فَأَمَّا مَنْ أعطى واتقى * وَصَدَّقَ بالحسنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لليسرى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ واستغنى * وَكَذَّبَ بالحسنى * فَسَنُيَسِّرُهُ للعسرى ﴾ [ الليل : ٥ ].