قال محمد بن إسحاق : فلما حملت به وملأت قلتها ورجعت، استمسك عنها الدم وأصابها ما يصيب الحامل على الولد من الوصب والتوحم، وتغير اللون، حتى فطر لسانها، فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل زكريا وشاع الحديث في بني إسرائيل، فقالوا : إنما صاحبها يوسف، ولم يكن معها في الكنيسة غيره، وتوارت من الناس، واتخذت من دونهم حجابا، فلا يراها أحد ولا تراه.
وقوله تعالى :﴿ فَأَجَآءَهَا المخاض إلى جِذْعِ النخلة ﴾ أي فاضطرها وألجأها إلى جذع النخلة، في المكان الذي تنحت إليه. وقد اختلفوا فيه، فقال السدي : كان شرقي محرابها الذي تصلي فيه من بيت المقدس، وقال وهب بن منبه : كان ذلك على ثمانية أميال من بيت المقدس، في قرية يقال لها بيت لحم، وهذا هو المشهور، الذي تلقاه الناس بعضهم عن بعض، ولا يشك فيه النصارى أنه ببيت لحم، وقوله تعالى إخباراً عنها :﴿ قَالَتْ ياليتني مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً ﴾ فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد ولا يصدقونها في خبرها، وبعد ما كانت عندهم عابدة ناسكة تصبح عندهم فيما يظنون عاهرة زانية، فقالت ﴿ ياليتني مِتُّ قَبْلَ هذا ﴾ أي قبل هذا الحمل ﴿ وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً ﴾ أي لم أخلق ولم أك شيئاً قاله ابن عباس، وقال قتادة ﴿ وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً ﴾ : أي شيئاً لا يعرف ولا يذكر، ولا يدري الناس من أنا. وقال ابن زيد : لم أكن شيئاً قط، وقد قدمنا الأحاديث الدالة على النهي عن تمني الموت إلاّ عند الفتنة عند قوله :﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين ﴾ [ يوسف : ١٠١ ].


الصفحة التالية
Icon