وما سأل أن يزول ذلك بالكلية، بل بحيث يزول العي ويحصل لهم فهم ما يريد منه، وهو قدر الحاجة، ولو سأل الجميع لزال ولكن الأنبياء لا يسألون إلاّ بحسب الحاجة، ولهذا بقيت. قال الله تعالى إخباراً عن فرعون أنه قال ﴿ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ ﴾ [ الزخرف : ٥٢ ] أي يفصح بالكلام، وقال الحسن البصري ﴿ واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ﴾ قال : حلّ عقدة واحدة، ولو سأل أكثر من ذلك أعطي، وقال ابن عباس : شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل، وعقدة لسانه فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام، وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون، ويكون له ردءاً ويتكلم عنه بكثير مما يفصح له لسانه، فآتاه سؤله، فحل عقدة من لسانه.
وقوله تعالى :﴿ واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي ﴾، وهذا أيضاً سؤال من موسى عليه السلام في أمر خارجي عنه، وهو مساعدة أخيه هارون له، قال ابن عباس : نبئ هارون ساعتئذ وحين نبئ موسى عليهما السلام. روي عن عائشة أنها خرجت فيما كانت تعتمر، فنزلت بعض الأعراب فسمعت رجلاً يقول : أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه؟ قالوا : لا ندري، قال أنا والله أدري! قالت، فقلت في نفسي في حلفه لا يستثني، إنه ليعلم أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه، قال :( موسى ) حين سأل لأخيه النبوة، فقلت : صدق والله. وقوله ﴿ اشدد بِهِ أَزْرِي ﴾ قال مجاهد : ظهري، ﴿ وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي ﴾ أي في مشاورتي، ﴿ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً ﴾ قال مجاهد : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيراً حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً، وقوله :﴿ إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً ﴾ أي في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون، فلك الحمد على ذلك.


الصفحة التالية
Icon