﴿ عسى ربي أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السبيل * وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ الناس يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امرأتين تَذُودَانِ ﴾ [ القصص : ٢٢-٢٣ ] يعني بذلك حابستين غنمهما، فقال لهما : ما خطبكما معتزلتين لا تسقيان مع الناس؟ قالتا : ليس لنا قوة نزاحم القوم، وإنما نسقي من فضول حياضهم، فسقى لهما، فجعل يغترف في الدلو ماء كثيراً حتى كان أول الرعاء، فانصرفتا بغنمهما إلى أبيهما وانصرف موسى عليه السلام فاستظل بشجرة، وقال :﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [ القصص : ٢٤ ]، واستنكر أبوهما سرعة صدورهما، بغنمهما حفلاً بطاناً، فقال : إن لكما اليوم لشأناً، فأخبرتاه بما صنع موسى، فأمر إحداهما أن تدعوه، فأتت موسى فدعته، فلما كلمه، قال : لا تخف نجوت من القوم الظالمين، ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان، ولسنا في مملكته، فقالت إحداهما :﴿ ياأبت استأجره إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوي الأمين ﴾ [ القصص : ٢٦ ] فاحتملته الغيرة على أن قال لها : ما يدريك ما قوته، وما أمانته؟ فقالت : أما قوته فما رأيت منه في الدلو حين سقى لنا، لم أر رجلاً قط أقوى في ذلك السقي منه، وأما الأمانة فإنه نظر إليَّ حين أقبلت إليه وشخصت له، فلما علم أني امرأة صوّب رأسه فلم يرفعه حتى بلغته رسالتك، ثم قال لي : امشي خلفي وانعتي لي الطريق، فلم يفعل هذا إلاّ وهو أمين فسري عن أبيها وصدقها وظن به الذي قالت، فقال له : هل لك أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج. فإن أتممت عشراً فمن عندك، وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين، ففعل، فكانت على نبي الله موسى ثمان سنين واجبة، وكانت سنتان عدة فقضى الله عنه عدته فأتمها عشراً. قال سعيد بن جبير : فلقيني رجل من أهل النصرانية من علمائهم، قال : هل تدري أي الأجلين قضى موسى؟ قلت : لا، وأنا يومئذٍ لا أدري، فلقيت ابن عباس فذكرت له ذلك، فقال : أما علمت أن ثمانياً كانت على نبي الله واجبة لم يكن نبي الله لينقص منها شيئاً، ويعلم أن الله كان قاضياً عن موسى عدته التي كان وعده، فإنه قضى عشر سنين، فلقيت النصراني فأخبرته ذلك، فقال : الذي سألته فأخبرك أعلم منك بذلك، قلت : أجل وأولى.
فلما سار موسى بأهله كان من أمر النار والعصا ويده ما قص الله عليك في القرآن، فشكا إلى الله تعالى ما يحذر من آل فرعون في القتل، وعقدة لسانه، فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام، وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له ردءاً يتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه فآتاه الله سؤله وحل عقدة من لسانه، وأوحى الله إلى هارون وأمره أن يلقاه، فاندفع موسى بعصاه حتى لقي هارون عليه السلام، فانطلقا جميعاً إلى فرعون فأقاما على بابه حيناً لا يؤذن لهما، ثم أذن لهما بعد حجاب شديد، فقالا :