« بينما امرأتان معهما ابنان لهما إذ جاء الذئب، فأخذ أحد الابنين، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا، فدعاهما سليمان، فقال : هاتوا السكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى : يرحمك الله هو ابنها لا تشقه، فقضى به للصغرى ».
وقوله تعالى :﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال يُسَبِّحْنَ والطير ﴾ الآية، وذلك لطيب صوته بتلاوة الزبور، وكان ذا ترنم به تقف الطير في الهواء فتجاوبه، وترد عليه الجبال تأويباً، ولهذا لما مرّ النبي ﷺ على أبي موسى الأشعري وهو يتلو القرآن من الليل، وكان له صوت طيب جداً، فوقف واستمع لقراءته، وقال :« لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود »، قال : يا رسول الله لو علمت أنك تستمع لحَبَّرْتًه لك تحبيراً، وقوله :﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ ﴾ يعني صنعة الدروع، قال قتادة : إنما كانت الدروع قبله صفائح وهو أول من سردها حلقاً، كما قال تعالى :﴿ وَأَلَنَّا لَهُ الحديد * أَنِ اعمل سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السرد ﴾ [ سبأ : ١٠-١١ ] أي لا توسع الحلقة فتفلق المسمار ولا تغلظ المسمار فتقد الحلقة، ولهذا قال :﴿ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ ﴾ يعني في القتال، ﴿ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ ﴾ أي نعم الله عليكم لما ألهم به عبده داود فعلمه ذلك من أجلكم، وقوله :﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الريح عَاصِفَةً ﴾ أي وسخرنا لسليمان الريح العاصفة ﴿ تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ يعني أرض الشام ﴿ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴾، وذلك أنه كان له بساط من خشب يوضع عليه كل ما يحتاج إليه من أمور المملكة والخيل والجمال والخيام والجند، ثم يأمر الريح أن تحمله فتدخل تحته ثم تحمل وترفعه وتسير به، وتظله الطير تقيه الحر إلى حيث يشاء من الأرض، فينزلوتوضع آلاته وحشمه، قال الله تعالى :﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ ﴾ [ ص : ٣٦ ]، عن سعيد بن جبير قال : كان يوضع لسليمان ألف كرسي فيجلس مما يليه مؤمنو الإنس، ثم يجلس من ورائهم مؤمنو الجن، ثم يأمر الطير فتظلهم، ثم يأمر الريح فتحملهم ﷺ. وقوله :﴿ وَمِنَ الشياطين مَن يَغُوصُونَ لَهُ ﴾ أي في الماء يستخرجون اللآلئ، والجواهر وغير ذلك، ﴿ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلك ﴾ أي غير ذلك كما قال تعالى :﴿ والشياطين كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصفاد ﴾ [ ص : ٣٧-٣٨ ]، وقوله :﴿ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ﴾ أي يحرسه الله أن يناله أحد من الشياطين بسوء، بل كل في قبضته وتحت فهره لا يتجاسر أحد منهم على الدنو إليه والقرب منه، بل هو يحكم فيهم إن شاء أطلق وإن شاء حبس منهم من يشاء، ولهذا قال :﴿ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصفاد ﴾ [ ص : ٣٨ ].