هذه القصة مذكورة هاهنا وفي الصافات وفي سورة ن، وذلك أن ( يونس بن متى ) عليه السلام بعثه الله إلى أهل نينوى، وهي قرية من أرض الموصل، فدعاهم إلى الله تعالى، فأبوا عليه، وتمادوا على كفرهم، فخرج من بين أظهرهم مغاضباً لهم، ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث، فلما تحققوا منه ذلك وعلموا أن النبي لا يكذب، خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم، ثم تضرعوا إلى الله تعالى، وجأروا إليه فرفع الله عنهم العذاب، قال الله تعالى :﴿ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخزي فِي الحياة الدنيا وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ ﴾ [ يونس : ٩٨ ].
وأما يونس عليه السلام فإنه ذهب فركب مع قوم في سفينة، فلججت بهم، وخافوا أن يغرقوا، فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه، فوقعت القرعة على يونس، فأبوا أن يلقوه، ثم أعادوا فوقعت عليه أيضاً، فأبوا، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضاً، قال الله تعالى :﴿ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ المدحضين ﴾ [ الصافات : ١٤١ ]، فقام يونس عليه السلام وتجرد من ثيابه، ثم ألقى نفسه في البحر، وقد أرسل الله سبحانه حوتاً يشق البحار، حتى جاء فالتقم ( يونس ) حين ألقى نفسه من السفينة، فأوحى الله إلى ذلك الحوت أن لا تأكل له لحماً ولا تهشم له عظماً، فإن يونس ليس لك رزقاً، وإنما بطنك تكون له سجناً، وقوله :﴿ وَذَا النون ﴾ يعني الحوت صحت الإضافة إليه بهذه النسبة، وقوله :﴿ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً ﴾ قال الضحّاك : لقومه ﴿ فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ أي نضيّق عليه في بطن الحوت، وقال عطية العوفي : أي نقضي عليه، فإن العرب تقول : قدر وقدّر بمعىن واحد. ومنه قوله تعالى :﴿ فَالْتَقَى المآء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ [ القمر : ١٢ ] : أي قدّر، وقوله :﴿ فنادى فِي الظلمات أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ ﴾ قال ابن مسعود : ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل، وذلك أنه ذهب به الحوت في البحار يشقها حتى انتهى به إلى قرار البحر، فسمع يونس تسبيح الحصى في قراره، فعند ذلك قال :﴿ لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين ﴾، وقيل : مكث في بطن الحوت أربعين يوماً، وقوله :﴿ فاستجبنا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغم ﴾ أخرجناه من بطن الحوت وتلك الظلمات ﴿ وكذلك نُنجِي المؤمنين ﴾ أي إذا كانوا في الشدائد ودعونا منيبين إلينا. قال ﷺ :« دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت » :﴿ لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين ﴾، فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء إلى استجاب له « وفي الحديث :» من دعا يونس استجيب له «، قال أبو سعيد يريد به ﴿ وكذلك نُنجِي المؤمنين ﴾. وعن سعيد بن أبي وقاص. وقال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :» اسم الله الذي دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى « قال : قلت يا رسول الله هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال :» هي ليونس بن متى خاصة، ولجماعة المؤمنين عامة إذا دعوا بها، ألم تسمع قول الله تعالى :﴿ فنادى فِي الظلمات أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين * فاستجبنا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغم وكذلك نُنجِي المؤمنين ﴾، فهو شرط من الله لمن دعاه به «