« يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين يوماً أو خمس وأربعين فيقول : أي رب أشقي أم سعيد؟ فيقول الله : ويكتبان فيقول : أذكر أم أنثى؟ فيقول الله، ويكتبان، ويكتب عمله وأثره ورزقه وأجله، ثم تطوى الصحف، فلا يزاد على ما فيها ولا ينتقص » ﴿ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ﴾ أي ضعيفاً في بدنه وسمعه وبصره وحواسه، ثم يعطيه الله القوة شيئاً فشيئاً، ويلطف به ويحنن عليه والديه، ولهذا قال ﴿ ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ ﴾ أي بتكامل القوى، ويتزايد ويصل إلى عنفوان الشباب وحسن المنظر، ﴿ وَمِنكُمْ مَّن يتوفى ﴾ أي في حال شبابه وقواه، ﴿ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر ﴾ وهو الشيخوخة والهرم وضعف القوة والعقل والفهم وتناقص الأحوال من الخرف وضعف الفكر، ولهذا قال :﴿ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ﴾، كما قال تعالى :﴿ الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً ﴾ [ الروم : ٥٤ ].
وقوله تعالى :﴿ وَتَرَى الأرض هَامِدَةً ﴾ هذا دليل آخر على قدرته تعالى على إحياء الموتى، كما يحيي الأرض الميتة الهامدة وهي المقحلة التي لا ينبت فيها شيء. وقال قتادة : غبراء متهشمة، وقال السدي : ميتة، ﴿ فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ : أي ماذا أنزل الله عليها المطر ﴿ اهتزت ﴾ أي تحركت بالنبات وحييت بعد موتها، ﴿ وَرَبَتْ ﴾ أي ارتفعت لما سكن فيها الثرى، ثم أنبتت ما فيها من ثمار وزروع، وأشتات النبات في اختلاف ألوانها وطعومها، وروائحها وأشكالها ومنافعها، ولهذا قال تعالى :﴿ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ أي حسن المنظر طيب الريح، وقوله :﴿ ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق ﴾ أي الخالق المدبر الفعال لما يشاء، ﴿ وَأَنَّهُ يُحْيِي الموتى ﴾ أي كما أحيا الأرض الميتة وأنبت منها هذه الأنواع ﴿ إِنَّ الذي أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الموتى إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [ فصلت : ٣٩ ] ﴿ إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [ يس : ٨٢ ]، ﴿ وَأَنَّ الساعة آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا ﴾ أي كائنة لا شك فيها ولا مرية، ﴿ وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِي القبور ﴾ أي يعيدهم بعد ما صاروا في قبورهم رمماً ويوجدهم بعد العدم، كما قال تعالى :﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ [ يس : ٧٩ ] والآيات في هذا كثيرة. وقد روى الإمام أحمد. « عن لقيط ابن عامر أنه قال : يا رسول الله أكلنا يرى به عزّ وجلّ يوم القيامة وما آية ذلك في خلقه؟ فقال رسول الله ﷺ :» أليس كلكم ينظر إلى القمر مخلياً به؟ قلنا : بلى، قال : فالله أعظم، قال، قلت : يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه؟ قال :« أما مررت بوادي أهلك ممحلاً؟ » قال : بلى، قال :« ثم مررت به يهتز خضراً » قال : بلى، قال :« فكذلك يحيي الله الموتى وذلك آيته في خلقه » وقال ابن أبي حاتم، عن معاذ بن جبل قال : من علم أن الله هو الحق المبين، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، دخل الجنة «.


الصفحة التالية
Icon