لما ذكر تعالى حلال الضلاَّل الجهَّال المقلدين في قوله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ ﴾ [ الحج : ٣ ] ذكر في هذه حال الدعاة إلى الضلالة من رؤوس الكفر، والبدع، فقال :﴿ ومِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ ﴾ أي بلا عقل صحيح، ولا نقل صريح، بل بمجرد الرأي والهوى، وقوله ﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ ﴾ قال ابن عباس : مستكبراً عن الحق إذا دعي إليه، وقال مجاهد وقتادة : لاوي عطفة وهي رقبته يعني يعرض عما يدعى إليه من الحق، ويثني رقبته استكباراً، كقوله تعالى :﴿ وَفِي موسى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * فتولى بِرُكْنِهِ ﴾ [ الذاريات : ٣٨-٣٩ ] الآية، وقال تعالى :﴿ رَأَيْتَ المنافقين يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً ﴾ [ النساء : ٦١ ]، وقال تعالى :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴾ [ المنافقون : ٥ ] الآية، وقوله :﴿ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله ﴾ قال بعضهم : هذه لام العاقبة لأنه قد لا يقصد ذلك، ثم قال تعالى :﴿ لَهُ فِي الدنيا ﴾ وهو الإهانة والذل كما كما أنه لما استكبر عن آيات الله لقّاه الله المذلة في الدنيا وعاقبة فيها قبل الآخرة، لأنها أكبر همه ومبلغ علمه ﴿ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق * ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ﴾ أي يقال له هذا تقريعاً وتوبيخاً ﴿ وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ ﴾ كقوله تعالى :﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم * إِنَّ هذا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ ﴾ [ الدخان : ٤٩-٥٠ ]. عن الحسن قال : بلغني أن أحدهم يحرق في اليوم سبعين ألف مرة.