لما أخبر تعالى عن حال أهل النار، وما هم فيه من العذاب والنكال، والحريق والأغلال، وما أعد لهم من الثياب من النار، ذكر حال أهل الجنة فقال :﴿ إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ أي تتخرق في أكنافها وأرجائها وجوانبها، وتحت أشجارها وقصورها يصرفونها حيث شاءوا وأين أرادوا، ﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا ﴾ من الحيلة، ﴿ مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً ﴾ أي في أيديهم كما قال النبي ﷺ في الحديث المتفق عليه :« تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء » وقوله :﴿ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ في مقابلة ثياب أهل النار التي فصلت لهم، لباس هؤلاء من الحرير استبرقه وسندسه، كما قال :﴿ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ﴾ [ الإنسان : ٢١ ]، وفي الصحيح :« لا تلبسوا الحرير ولا الديباج في الدنيا فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة »، وقال عبد الله بن الزبير : من لم يلبس الحرير في الآخرة لم يدخل الجنة، قال الله تعالى :﴿ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾، وقوله :﴿ وهدوا إِلَى الطيب مِنَ القول ﴾ كقوله تعالى :﴿ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار ﴾ [ الرعد : ٢٣-٢٤ ]، وقوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً ﴾ [ الواقعة : ٢٥-٢٦ ] فهدوا إلى المكان الذي يسمعون فيه الكلام الطيب، ﴿ وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق ﴾ [ الحج : ٢٢ ]، وقوله :﴿ وهدوا إلى صِرَاطِ الحميد ﴾ أي إلى المكان الذي يحمدون فيه ربهم على ما أحسن إليهم، وأنعم به وأسداه إليهم، كما جاء في الحديث الصحيح :« أنهم يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهموا النفس »، وقد قال بعض المفسرين في قوله :﴿ وهدوا إِلَى الطيب مِنَ القول ﴾ أي القرآن وقيل : لا إله إلا الله وقيل : الأذكار المشروعة ﴿ وهدوا إلى صِرَاطِ الحميد ﴾ أي الطريق المستقيم في الدنيا، وكل هذا لا ينافي ما ذكرناه، والله أعلم «.


الصفحة التالية
Icon