[ الإسراء : ١٠٠ ] الآية.
ففي هذا كله تبيين عجز العباد واختلاف آرائهم وأهوائهم، وأنه تعالى هو الكامل في جميع صفاته وأقواله وأفعاله وتدبيره لخلقه تعالى وتقدس، ولهذا قال :﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ ﴾ أي القرآن ﴿ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ ﴾، وقوله :﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً ﴾ قال الحسن : أجراً، وقال قتادة : جُعْلا ﴿ فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ﴾ أي أنت لا تسألهم أجرة ولا جعلاً ولا شيئاً على دعوتك إياهم إلى الهدى، بل أنت في ذلك تحتسب عند الله جزيل ثوابه، كما قال ﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله ﴾ [ سبأ : ٤٧ ]، وقال :﴿ قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ المتكلفين ﴾ [ ص : ٨٦ ]، وقال :﴿ اتبعوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً ﴾ [ يس : ٢١ ]، وقوله :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة عَنِ الصراط لَنَاكِبُونَ ﴾. عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ أتاه فيما يرى النائم، ملكان، فقعد أحدهما عند رجليه، والآخر عند رأسه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه : اضرب مَثَل هذا ومثل أمته، فقال : إن مثل هذا ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى رأس مفازة، فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به، فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجل في حلة حبرة، فقال : أرأيتم إن أوردتكم رياضاً معشبة وحياضاً رواء تتبعوني؟ فقالوا : نعم، قال : فانطلق بهم وأوردهم رياضاً معشبة وحياضاً رواء، فأكلوا وشربوا وسمنوا، فقال لهم : ألم ألفَكم على تلك الحال، فجعلتم لي إن وردت بكم رياضاً معشبة وحياضاً رواء أن تتبعوني؟ قالوا : بلى، قال : فإن بين أيديكم رياضاً أعشب من هذه، وحياضاً هي أروى من هذه، فاتبعوني، قال : فقالت طائفة : صدق الله ولنتبعنه، وقالت طائفة : قد رضينا بهذا نقيم عليه. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ :« إني ممسك بحجزكم هلمَّ عن النار، هلمَّ عن النار وتغلونني، تتقاحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب، فأوشك أن أرسل حجزكم وأنا فرطكم على الحوض، فتردون عليّ معاً وأشتاتاً، أعرفكم بسيماكم وأسمائكم كما يعرف الرجل الغريب من الإبل في إبله، فيذهب بكم ذات اليمين وذات الشمال، فأناشد فيكم رب العالمين أي رب قومي، أي رب أمتي، فيقال : يا محمد إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم كانوا يمشون بعدك القهقرى على أعقابهم » وقوله :﴿ وَإِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة عَنِ الصراط لَنَاكِبُونَ ﴾ أي لعادلون جائرون منحرفون، تقول العرب : نكب فلان عن الطريق إذا زاغ عنها، وقوله :﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ يخبر تعالى عن غلظهم في كفرهم، بأنه لو أزاح عنهم الضر وأفهمهم القرآن لما انقادوا له، ولاستمروا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم، كما قال تعالى :﴿ وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ ﴾ [ الأنفال : ٢٣ ] فهذا من باب علمه تعالى بما لا يكون لو كان كيف يكون، قال ابن عباس : كل ما فيه ( لو ) فهو مما لا يكون أبداً.


الصفحة التالية
Icon