هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلاّ زانية أو مشركة، أي لا يطاوعه على مراده من الزنا إلاّ زانية عاصية أو مشركة لا ترى حرمة ذلك، وكذلك ﴿ والزانية لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ ﴾ أي عاص بزناه ﴿ أَوْ مُشْرِكٌ ﴾ لا يعتقد تحريمه، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : ليس هذا بالنكاح إنما هو الجماع لا يزني بها إلاّ زان أو مشرك، وقوله تعالى :﴿ وَحُرِّمَ ذلك عَلَى المؤمنين ﴾ أي تعاطيه والتزوج بالبغايا أو تزويج العفائف بالرجال والفجار، وقال أبو داود الطيالسي عن ابن عباس ﴿ وَحُرِّمَ ذلك عَلَى المؤمنين ﴾ قال : حرم الله الزنا على المؤمنين، وقال قتادة ومقاتل بن حبان : حرم الله على المؤمنين نكاح البغايا، وهذه الآية كقوله تعالى :﴿ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ﴾ [ النساء : ٢٥ ]، وقوله :﴿ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ متخذي أَخْدَانٍ ﴾ [ المائدة : ٥ ] الآية، ومن هاهنا ذهب الإمام أحمد إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب، فإن تابت صح العقد عليها وإلاّ فلا، وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة، لقوله تعالى :﴿ وَحُرِّمَ ذلك عَلَى المؤمنين ﴾. عن عبد الله بن عمرو : قال كانت امرأة يقال لها أم مهزول وكانت تسافح، فأراد رجل من أصحاب رسول الله ﷺ أن يتزوجها، فأنزل الله عزَّ وجلَّ :﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزانية لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلك عَلَى المؤمنين ﴾. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كان رجل يقال له ( مرثد ابن أبي مرثد ) وكان رجلاً يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، قال : وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها ( عناق ) وكانت صديقة له، وأنه واعد رجلاً من أسارى مكة يحمله، قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، قال : فجاءت عناق فأبصرت سواد ظل تحت الحائط، فلما انتهت إليَّ عرفتني، فقالت : مرثد؟ فقالت : مرحباً وأهلاً، هلم فبت عندنا الليلة، قال، فقلت : يا عناق حرم الله الزنا، فقالت : يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم، قال : فتبعني ثمانية ودخلت الحديقة، فانتهيت إلى غار أو كهف، فدخلت فيه فجاءوا حتى قاموا على رأسي، فبالوا، فظل بولهم على رأسي، فأعمالهم الله عني، قال : ثم رجعوا فرجعت إلى صاحبي فحملته، وكان ثقيلاً حتى انتهيت إلى الإذخر، ففككت عنه أحبله، فجعلت أحمله ويعينني حتى أتيت به المدينة، فأتيت رسول الله ﷺ فقلت : يا رسول الله أنكح عناقاً أنكح عناقاً - مرتين؟ - فأمسك رسول الله ﷺ، فلم يرد عليّ شيئاً حتى نزلت ﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزانية لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلك عَلَى المؤمنين ﴾، فقال رسول الله ﷺ :


الصفحة التالية
Icon