كأنه كرهه، وإنما كره ذلك لأن هذه اللفظة لا يعرف صاحبها حتى يفصح باسمه أو كنيته التي هي مشهور بها، وإلاّ فكل أحد يعبر عن نفسه بأنا، فلا يحصل بها المقصود من الاستئذان المأمور به في الآية، قال ابن عباس : الاستئناس الاستئذان، وكذا قال غير واحد وعن عمرو بن سعيد الثقفي « أن رجلاً استأذن على النبي ﷺ فقال : أألج أو أنلج؟ فقال النبي ﷺ لأمة له يقال لها روضة :» قومي إلى هذا فعلميه، فإنه لا يحسن يستأذن فقولي له يقول السلام عليكم أأدخل؟ « فسمعها الرجل فقال : السلام عليكم أأدخل؟ فقال :» ادخل « وقال مجاهد : جاء ابن عمر من حاجة وقد آذاه الرمضاء، فأتى فسطاط امرأة من قريش، فقال : السلام عليكم أأدخل، قالت : ادخل بسلام، فأعاد، فأعادت وهو يراوح بين قدميه قال : قولي ادخل، قالت ادخل، وروى هشين عن ابن مسعود قال : عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم وأخوتكم، وقال أشعث عن ( عدي بن ثابت ) أن امرأة من الأنصار قالت : يا رسول الله إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد عليها، لا والد ولا ولد، وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، قال : فنزلت :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً ﴾ الآية. وقال ابن جريج : سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن ابن عباس رضي الله عنه قال : ثلاث آيات جحدهن الناس، قال الله تعالى :﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ ﴾ [ الحجرات : ١٣ ] قال : ويقولون : إن أكرمهم عند الله أعظمهم بيتاً، قال : والأدب كله قد جحده الناس، قال، قلت : أستأذن على أخواتي أيتام في حجري معي في بيت واحد؟ قال : نعم، فردت عليه ليرخص لي فأبى، فقال : تحب أن تراها عريانة؟ قلت : لا، قال : فاستأذن، قال : فراجعته أيضاًَ فقال : أتحب أن تطيع الله؟ قال : قلت : نعم، قال : فاستأذن، وقال طاووس : ما من امرأة أكره إليَّ أن أرى عورتها من ذات محرم قال : وكان يشدد في ذلك. وقال ابن مسعود : عليكم الإذن على أمهاتكم، وقال ابن جريج : قلت لعطاء أيستأذن الرجل على امرأته؟ قال : لا، وهذا محمول على عدم الوجوب، وإلاّ فالأولى أن يعلمها بدخوله ولا يفاجئها به، لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها.
وروى ابن جرير عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت : كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق، كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه. وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : كان عبد الله إذا دخل الدار استأنس تكلم ورفع صوته، وقال مجاهد :﴿ حتى تَسْتَأْنِسُواْ ﴾ قال : تنحنحوا أو تنخّموا، وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : إذا دخل الرجل بيته استحب له أن يتنحنح أو يحرك نعليه؛ ولهذا جاء في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه نهى أن يطرق الرجل أهله طروقاً - وفي رواية - ليلاً يتخوفهم، وفي الحديث الآخر


الصفحة التالية
Icon