« عن عائشة رضي الله عنها أن ( أسماء بنت أبي بكر ) دخلت على النبي ﷺ وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال : يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلاّ هذا، وأشار إلى وجهه وكفيه » «.
وقوله تعالى :﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ ﴾ يعني المقانع يعمل لها صفات ضاربات على صدورهن لتاري ما تحتها من صدرها وترائبها، ليخالفن شعار نساء أهل الجاهلية، فإنهن لم يكن يفعلن ذلك، بل كانت المرأة منهن تمر بين الرجال مسفحة بصدرها لا يواريه شيء وربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها وأقرطه آذانها، فأمر الله المؤمنات أن يستترن في هيئاتهن وأحوالهن، كما قال تعالى :﴿ ياأيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذلك أدنى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ ﴾ [ الأحزاب : ٥٩ ]، وقال في هذه الآية الكريمة :﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ ﴾ والخمر جمع خمار : وهو ما يخمر به أي يغطى به الرأس، وهي التي تسميها الناس المقانع، قال سعيد بن جبير ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ ﴾ وليشددن ﴿ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ ﴾ يعني على النحر والصدر فلا يرى منه شيء. وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ ﴾ شققن مروطهن فاختمرن بها. وروى ابن أبي حاتم عن صفية بنت شيبة قالت : بينا نحن عند عائشة قالت : فذكرنا نساء قريش وفضلهن، فقالت عائشة رضي الله عنها : إن لنساء قريش لفضلاً وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً لكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور :﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ ﴾ انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته، فما منهن امرأة إلاّ قامت إلى مرطها المرحل، فاعتجزت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله ﷺ معتجزات كأن على رؤوسهن الغربان. وقال ابن جرير عن عائشة قالت : يرحم الله النساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله :﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ ﴾ شققن أكتف مروطهن فاختمرن بها، وقوله تعالى :﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ ﴾ أي أزواجهن ﴿ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بني إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ ﴾ كل هؤلاء محارم للمرأة يجوز لها أن تظهر عليهم بزينتها، ولكن من غير تبرج فأما الزوج فإنما ذلك كله من أجله، فتتصنع له بما لا يكون بحضرة غيره، وقوله :﴿ أَوْ نِسَآئِهِنَّ ﴾ يعني تظهر بزينتها أيضاً للنساء المسلمات، دون نساء أهل الذمة، لئلا تصفهن لرجالهن، فإنهن لا يمنعهن من ذلك مانع؛ فأما المسلمة فإنها تعلم أن ذلك حرام فتنزجر عنه، وقد قال رسول الله ﷺ :


الصفحة التالية
Icon