وعن الزهري أن رجلاً من قريش أسر يوم بدر، وكان عند ( عبد الله بن أبي ) أسيراً وكانت لعبد الله بن أبي جارية يقال لها ( معاذة ) وكان القرشي الأسير يريدها على نفسها، وكانت مسلمة، وكانت تمتنع منه لإسلامها، وكان عبد الله بن أبي يكرهها على ذلك ويضربها رجاء أن تحمل من القرشي فيطلب فداء ولده، فقال تبارك وتعالى :﴿ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البغآء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ﴾، وقال السدي : أنزلت هذه الآية الكريمة في ( عبد الله بن أبي بن سلول ) رأس المنافقين، وكانت له جارية تدعى ( معاذة ) وكان إذا نزل به ضيف أرسلها إليه ليواقعها إرادة الثواب منه والكرامة له، فأقبلت الجارية إلى أبي بكر رضي الله عنه فشكت إليه ذلك، فذكره أبو بكر للنبي ﷺ، فأمره بقبضها، فصاح عبد الله بن أبي من يعذرنا من محمد يغلبنا على مملوكتنا فأنزل الله فيهم هذا، وقوله تعالى :﴿ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ﴾ هذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، وقوله تعالى :﴿ لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الحياة الدنيا ﴾ أي من خراجهن ومهورهن وأولادهن، وقد نهى رسول الله ﷺ عن كسب الحجام، ومهر البغي، وحلوان الكاهن، وفي رواية :« مهر البغي خبيث وكسب الحجام خبيث، وثمن الكلب خبيث »، وقوله تعالى :﴿ وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ الله مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ أي لهن، كما تقدم في الحديث عن جابر، وقال ابن عباس : فإن فعلتم فإن الله لهن غفور رحيم، وإثمهن على من أكرههن، وقال أبو عبيد عن الحسن في هذه الآية ﴿ فَإِنَّ الله مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ قال : لهن والله، لهن والله، وفي الحديث المرفوع عن رسول الله ﷺ أنه قال :« رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » ولما فصل تبارك وتعالى هذه الأحكام وبينها قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ ﴾ يعني القرآن فيه آيات واضحات مفسرات ﴿ وَمَثَلاً مِّنَ الذين خَلَوْاْ ﴾ أي خبراً عن الأمم الماضية وما حل بهم في مخالفتهم أوامر الله تعالى كما قال تعالى :﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ ﴾ [ الزخرف : ٥٦ ] أي زاجراً عن ارتكاب المآثم والمحارم ﴿ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ أي لمن اتقى الله وخافه، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صفة القرآن : فيه حكم ما بينكم، وخبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن اتبغى الهدى من غيره أضله الله.


الصفحة التالية
Icon