قال ابن عباس ﴿ الله نُورُ السماوات والأرض ﴾ يقول : هادي أهل السماوات والأرض، يدبر الأمر فيهما نجومهما وشمسهما وقمرهما. وقال ابن جرير عن أنس بن مالك قال : إن الله يقول نوري هدى، واختار هذا القول ابن جرير، وقال أبي بن كعب : هو المؤمن جعل الله الإيمان والقرآن في صدره فضرب الله مثله فقال :﴿ الله نُورُ السماوات والأرض ﴾ فبدأ بنور نفسه، ثم ذكر نور المؤمن، فقال : مثل نور من آمن به، فهو المؤمن جعل الإيمان والقرآن في صدره، وعن ابن عباس أنه قرأها ﴿ مثل نور من آمن بالله ﴾ وقرأ بعضهم ﴿ الله منّور السماوات والأرض ﴾ وقال السدي في قوله ﴿ الله نُورُ السماوات والأرض ﴾ فبنوره أضاءت السماوات والأرض، وفي الحديث :« أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات » وفي « الصحيحين » عن ابن عباس رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ إذا قام من الليل يقول :« اللهم لك لحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن » الحديث. وعن ابن مسعود قال : إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور العرش من نور وجهه، وقوله تعالى :﴿ مَثَلُ نُورِهِ ﴾ في هذا الضمير قولان :( أحدهما ) أنه عائد إلى الله عزَّ وجلَّ أي مثل هداه في قلب المؤمن، قاله ابن عباس ﴿ كَمِشْكَاةٍ ﴾ ( والثاني ) : أن الضمير عائد إلى المؤمن الذي دل عليه سياق الكلام، تقديره مثل نور المؤمن الذي في قلبه كمشكاة، فشبه قلب المؤمن وما هو مفطور عليه من الهدى وما يتلقاه من القرآن المطابق لما هو مفطور عليه، كما قال تعالى :﴿ أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ ﴾ [ هود : ١٧ ] فشبه قلب المؤمن في صفائه في نفسه بالقنديل من الزجاج الشفاف الجوهري، وما يستهديه من القرآن والشرع بالزيت الجيد الصافي المشرق المعتدل الذي لا كدر فيه ولا انحراف؛ فقوله ﴿ كَمِشْكَاةٍ ﴾ قال ابن عباس ومجاهد : هو موضع الفتيلة من القنديل. هذا هو المشهور، ولهذا قال بعده ﴿ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ وهو الزبالة التي تضيء.
وقال مجاهد : هي الكوة بلغة الحبشة. وزاد بعضهم فقال : المشكاة الكوة التي لا منفذ لها، وعن مجاهد : المشكاة الحدائد التي يعلق بها القنديل؛ والقول الأول أولى، وهو أن المشكاة هو موضع القنبلة من القنديل : ولهذا قال :﴿ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ وهو النور الذي في الزبالة، قال أُبي بن كعب : المصباح النور وهو القرآن والإيمان الذي في صدره، وقال السدي هو السراج ﴿ المصباح فِي زُجَاجَةٍ ﴾ أي الضوء مشرق في زجاجة صافية، وهي نظير قلب المؤمن ﴿ الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾ أي كأنها كوكب من در، قال أبي بن كعب : كوكب مضيء، وقال قتادة : مضيء مبين ضخم ﴿ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾ أي يستمد من زيت زيتون شجرة مباركة ﴿ زَيْتُونَةٍ ﴾ بدل أو عطف بيان ﴿ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ ﴾ أي ليست في شرقي بقعتها فلا تصل إليها الشمس من أول النهار، ولا في غربها فيقلص عنها الفيء قبل الغروب، بل هي في مكان وسط تعصرها الشمس من أول النهار إلى آخره، فيجيء زيتها صافياً معتدلاً مشرقاً، عن ابن عباس في قوله ﴿ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ ﴾ قال : هي شجرة بالصحراء لا يظلها شجر ولا جبل ولا كهف، ولا يواريها شيء، وهو أجود لزيتها، وقال عكرمة : تلك زيتونة بأرض فلاة إذا أشرقت الشمس أشرقت عليها، فإذا غربت غربت عليها فذلك أصفى ما يكون من الزيت، وعن سعيد بن جبير في قوله ﴿ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يضياء ﴾ قال : هو أجود الزيت، قال إذا طلعت الشمس أصابتها من صوب المشرق، فإذا أخذت من الغروب أصابتها الشمس، فالشمس تصيبها بالغداوة والعشي فتلك لا تعد شرقية ولا غربية.


الصفحة التالية
Icon