لما ضرب الله تعالى مثل قلب المؤمن وما فيه من الهدى والعلم، بالمصباح في الزجاجة الصافية المتوقد من زيت طيب وذلك كالقنديل مثلاً، ذكر محلها وهي المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله تعالى من الأرض، وهي بيوته التي يعبد فيها ويوحد، فقال تعالى :﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ ﴾ أي أمر الله تعالى بتعاهدها وتطهيرها من الدنس واللغو، والأقوال والأفعال التي لا تليق فيها، كما قال ابن عباس : نهى الله سبحانه عن اللغو فيها وقال قتادة : هي هذه المساجد أمر الله سبحانه وتعالى ببنائها وعمارتها ورفعها وتطهيرها، وقد ذكر لنا أن كعباً كان يقول : مكتوب فيه التوراة إن بيوتي في الأرض المساجد، وإنه من توضأ فأحسن وضوءه، ثم زارني في بيتي أكرمته، وحقٌ على المزور كرامة الزائر. وقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد واحترامها وتوقيرها وتطييبها وتبخيرها، فعن أمير المؤمنين ( عثمان بن عفان ) رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول :« من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة »، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ :« من بنى مسجداً يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتاً في الجنة » وعن عائشة رضي الله عنها : أمرنا سول الله ﷺ ببناء المساجد في الدور، وأن تنظّف وتطيب. وعن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ :« لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد » وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :« إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا : لا أربح الله تجارتك؛ وإذا رأيتم من ينشد ضالة في المسجد فقولوا : لا ردها الله عليك ».
وقد روى ابن ماجه وغيره من حديث ابن عمر مرفوعاً قال : خصال لا تنبغي في المسجد : لا يتخذ طريقاً، ولا يشهر فيه سلاح، ولا ينبض فيه بقوس، ولا ينثر فيه نبل، ولا يمر فيه بلحم نيء، ولا يضرب فيه حد، ولا يقتص فيه أحد، ولا يتخذ سوقاً. وعن واثلة بن الأسقع عن رسول الله ﷺ :« جنبوا المساجد صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم، وخصوماتكم، ورفع أصواتكم، وإقامة حدودكم وسل سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجمروها في الجمع » أما أنه لا يتخذ طريقاً فقد كره بعض العلماء المرور فيه إلاّ لحاجة إذا وجد مندوحة عنه؛ وفي الأثر : إن الملائكة لتتعجب من الرجل يمر بالمسجد لا يصلي فيه؛ وأما أنه لا يشهر فيه السلاح ولا ينبض فيه بقوس ولا ينثر فيه نبل، فلما يخشى من إصابة بعض الناس به، وأما النهي عن المرور باللحم النيء فيه فلما يخشى من تقاطر الدم منه، وأما أنه لا يضرب فيه حد ولا يقتص منه فلما يخشى من إيجاد النجاسة فيه من المضروب أو المقطوع، وأما أنه لا يتخذ سوقاً فلما تقدم من النهي عن البيع والشراء فيه، فإنه إنما بني لذكر الله والصلاة فيه، كما قال النبي ﷺ لذلك الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد :


الصفحة التالية
Icon