يخبر تعالى عن هول يوم القيامة وما يكون فيه من الأمور العظيمة، فمنها انشقاق السماء وتفطرها، وانفراجها بالغمام وهو ظلل النور العظيم الذي يبهر الأبصار، ونزول ملائكة السماوات يومئذٍ، فيحيطون بالخلائق في مقام المحشر. ثم يجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء، قال مجاهد : وهذا كما قال تعالى :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام والملائكة ﴾ [ البقرة : ٢١٠ ] الآية. قال شهر بن حوسب : حملة العرش ثمانية، أربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك. لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك.
وقوله تعالى :﴿ الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن ﴾ الآية. كما قال تعالى :﴿ لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار ﴾ [ غافر : ١٦ ] وفي « الصحيح » : أن الله تعالى يطوي السماوات بيمينه. ويأخذ الأرضين بيده الأخرى ثم يقول : أنا الملك، أنا الديان، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟. وقوله :﴿ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الكافرين عَسِيراً ﴾ أي شديداً صعباً لأنه يوم عدل وقضاء فصل. كما قال تعالى :﴿ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الكافرين غَيْرُ يَسِيرٍ ﴾ [ المدثر : ٩-١٠ ] فهذا حال الكافرين في هذا اليوم. وأما المؤمنون فكما قال تعالى :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ [ الأنبياء : ١٠٣ ] الآية، وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال، قيل : يا رسول الله ﴿ يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [ المعارج : ٤ ] ما أطول هذا اليوم! فقال رسول الله ﷺ :« والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا » وقوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ ﴾ الآية، يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول ﷺ، وما جاء من عند الله من الحق المبين الذي لا مرية فيه، وسلك طريقاً أخرى غير سبيل الرسول، فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم، وعض على يديه حسرة وأسفاً، وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن معيط، أو غيره من الأشقياء، فإنها عامة في كل ظالم كما قال تعالى :﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النار ﴾ [ الأحزاب : ٦٦ ] الآيتين، فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم، ويعض على يديه قائلاً ﴿ ياليتني اتخذت مَعَ الرسول سَبِيلاً * ياويلتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً ﴾ يعني من صرفه عن الهدى وعدل به إلى طريق الضلال من دعاة الضلالة، وسواء في ذلك ( أمية بن خلف ) أو أخوه ( أبي بن خلف ) أو غيرهما ﴿ لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذكر ﴾ وهو القرآن ﴿ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي ﴾ أي بعد بلوغه إليَّ قال الله تعالى :﴿ وَكَانَ الشيطان لِلإِنْسَانِ خَذُولاً ﴾ أي يخذله عن الحق ويصرفه عنه ويستعمله في الباطل ويدعوه إليه.


الصفحة التالية
Icon