﴿ قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ ﴾ [ الزمر : ٥٣ ] الآية. وقوله تعالى :﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاماً ﴾، روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال : أثاماً : واد في جهنم، وقال عكرمة ﴿ يَلْقَ أَثَاماً ﴾ أودية في جهنم يعذب فيها الزناة، وقال قتادة ﴿ يَلْقَ أَثَاماً ﴾ : نكالاً. كنا نحدث أنه واد في جهنم، وقال السدي ﴿ يَلْقَ أَثَاماً ﴾ جزاء، وهذا أشبه بظاهر الآية وبهذا فسره بما بعده مبدلاً منه، وهو قوله تعالى :﴿ يُضَاعَفْ لَهُ العذاب يَوْمَ القيامة ﴾ أي يقرر عليه ويغلظ ﴿ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ﴾ أي حقيراً ذليلاً، وقوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً ﴾ أي جزاؤه على ما فعل من هذه الصفات القبيحة ما ذكر ﴿ إِلاَّ مَن تَابَ ﴾ أي في الدنيا إلى الله عزَّ وجلَّ من جميع ذلك فإن من هذه الله يتوب عليه، وفي ذلك دلالة على صحة توبة القاتل، ولا تعارض بين هذه وبين آية النساء ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً ﴾ [ النساء : ٩٣ ] الآية، فإن هذه وإن كانت مدنية، إلاّ أنها مطلقة، فتحمل على من لم يتب.
وقوله تعالى :﴿ فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً ﴾. في معنى قوله :﴿ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ﴾ قولان : أحدهما أنهم بدلا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات، قال ابن عباس : هم المؤمنون كانوا من قبل إيمانهم على السيئات فرغب الله بهم عن السيئات فحولهم إلى الحسنات فأبدلهم مكان السيئات الحسنات. وقال سعيد بن جبير : أبدلهم الله بعبادة الأوثان عبادة الرحمن، وأبدلهم بقتال المسلمين قتال المشركين، وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات، وقال الحسن البصري : أبدلهم الله بالعمل السيء العمل الصالح، وأبدلهم بالشرك إخلاصاً، وأبدلهم بالفجور إحصاناً، وبالكفر إسلاماً، ( والقول الثاني ) : أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات، كما ثبتت السنة بذلك وصحت به الآثار المروية عن السلف رضي الله عنهم. فعن أبي ذر رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ :« إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً من النار، وآخر أهل الجنة دخولاً إلى الجنة، يؤتى برجل فيقول : نحوّا عنه كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها، قال فيقال له : عملت يوم كذا، كذا وكذا، وعملت يوم كذا، كذا وكذا، فيقول : نعم، لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئاً، فيقال : فإن لك بكل سيئة حسنة، فيقول : يا رب عملت أشياء لا أراها هاهنا » قال : فضحك رسول الله ﷺ حتى بدت نواجذه « وعن أبي هريرة قال : ليأتين الله عزَّ وجلَّ بأناس يوم القيامة رأوا أنهم قد استكثروا من السيئات، قيل : من هم يا أبا هريرة؟ قال : الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات، وقال علي بن الحسين زين العابدين ﴿ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ﴾ قال : في الآخرة. وقال مكحول : يغفرها لهم فيجعلها حسنات، قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو جابر أنه سمع مكحولاً يحدث قال :


الصفحة التالية
Icon