لما طال مقام موسى عليه السلام ببلاد مصر، وأقام بها حجج الله وبراهينه على فرعون وملئه، وهم من ذلك يكابرون ويعاندون، لم يبق لهم إلاّ العذاب والنكال، فأمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً من مصر، وأن يمضي بهم حيث يؤمر، ففعل موسى عليه السلام ما أمره به ربه عزَّ وجلَّ. خرج بهم بعدما استعاروا من قوم فرعون حلياً كثيراً، وكان خروجه بهم فيما ذكره غير واحد من المفسرين وقت طلوع القمر، وأن موسى عليه السلام سأل عن قبر يوسف عليه السلام، فدلته امرأة عجوز من بني إسرائيل عليه، فاحتمل تابوته معهم، وكان يوسف عليه السلام قد أوصى بذلك إذا خرج بنو إسرائيل أن يحتملوا معهم، فلما أصبحوا وليس في ناديهم داع ولا مجيب، غاظ ذلك لفرعون، واشتد غضبه على بني إسرائيل لما يريد الله به من الدمار، فأرسل سريعاً في بلاده حاشرين، أي من يحشر الجند ويجمعه كالنقباء والحجاب ونادى فيهم :﴿ إِنَّ هؤلاء ﴾ يعني بني إسرائيل ﴿ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ﴾ أي لطائفة قليلة، ﴿ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ ﴾ أي كل وقت يصل منهم إلينا ما يغيظنا، ﴿ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ﴾ أي نحن كل وقت نحذر من غائلتهم، وإني أريد أن أستأصل شأفتهم وأبيد خضراءهم، فجوزي في نفسه وجنده بما أراد لهم، قال الله تعالى :﴿ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾ أي فخرجوا من هذا النعيم إلى الجحيم، وتركوا تلك المنازل العالية والبساتين والأنهار والأموال والأرزاق والملك والجاه الوافر في الدنيا، ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بني إِسْرَائِيلَ ﴾، كما قال تعالى :﴿ وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا التي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ] الآية.