وهذا سؤال من إبراهيم عليه السلام أن يؤتيه ربه حكماً، قال ابن عباس : وهو العلم، وقال عكرمة : هو اللب، وقال مجاهد : هو القرآن، وقال السدي : هو النبوة، وقوله :﴿ وَأَلْحِقْنِي بالصالحين ﴾ أي اجعلني مع الصالحين في الدنيا والآخرة كما قال النبي ﷺ عند الاحتضار :« اللهم في الرفيق الأعلى »، قالها ثلاثاً. وفي الحديث :« اللهم أحينا مسلمين، وأمتنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مبدلين »، وقوله :﴿ واجعل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين ﴾ أي واجعل لي ذكراً جميلاً بعدي أذكر به ويقتدى بي في الخير، كما قال تعالى :﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين * سَلاَمٌ على إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين ﴾ [ الصافات : ١٠٨-١١٠ ]. قال مجاهد وقتادة : يعني الثناء الحسن، قال ليث ابن أبي سليم : كل ملة تحبه وتتولاه، وقوله تعالى :﴿ واجعلني مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النعيم ﴾ أي أنعم علي في الدنيا ببقاء الذكر الجميل بعدي، وفي الآخرة بأن تجعلني من ورثة جنة النعيم، وقوله :﴿ واغفر لأبي ﴾ الآية، كقوله :﴿ رَبَّنَا اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ ﴾ [ إبراهيم : ٤١ ] وهذا مما رجع عنه إبراهيم عليه السلام، كما قال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ استغفار إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ ﴾ [ التوبة : ١١٤ ] إلى قوله ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ [ التوبة : ١١٤ ]، وقوله :﴿ وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ﴾ أي أجرني من الخزي يوم القيامة، ويوم يبعث الخلائق أولهم وآخرهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال :« يلقى إبراهيم يوم القيامة أباه عليه الغبرة والقترة ».
وفي رواية أخرى :« يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني، فيقول أبوه فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم : يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون فأي خزي من أبي الأبعد؟ فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين؛ ثم يقول : يا إبراهيم انظر تحت رجلك فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النا » وقوله :﴿ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ ﴾ أي لا يقي المرء من عذاب الله ماله ولو افتدى بملء الأرض ذهباً ﴿ وَلاَ بَنُونَ ﴾ أي ولو افتدى بمن على الأرض جميعاً ولا ينفع يومئذٍ إلاّ الإيمان بالله، وإخلاص الدين له، ولهذا قال :﴿ إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ أي سالم من الدنس والشرك، قال ابن سيرين : القلب السليم أن يعلم أن الله أحق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وقال ابن عباس : القلب السليم أن يشهد أن لا إله إلاّ لله، وقال مجاهد والحسن :﴿ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ يعني من الشرك، وقال سعيد بن المسيب : القلب السليم هو القلب الصحيح، وهو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض، قال الله تعالى :﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ [ البقرة : ١٠ ] قال أبو عثمان النيسابوري : هو القلب السالم من البدعة المطمئن إلى السنّة.