يقول تعالى : كذلك سكلنا التكذيب والكفر والجحود والعناد، أي أدخلناه في قلوب المجرمين ﴿ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ أي بالحق ﴿ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم ﴾ أي حيث لا ينفع الظالمين معذرتهم، ﴿ فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً ﴾ أي عذاب الله فجأة ﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ ﴾ أي يتمنون حين يشاهدون العذاب أن لو أنظروا قليلاً ليعملوا في زعمهم بطاعة الله، فكل ظالم وفاجر وكافر إذا شاهد عقوبته ندم ندماً شديداً؛ هذا فرعون لما دعا عليه الكليم بقوله :﴿ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الحياة الدنيا رَبَّنَا ﴾ يونس : ٨٨ ] فأثرت هذه الدعوة في فرعون فما آمن حتى رأى العذاب الأليم ﴿ حتى إِذَآ أَدْرَكَهُ الغرق قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بنوا إِسْرَائِيلَ ﴾ [ يونس : ٩٠ ] الآية، وقال تعالى :﴿ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قالوا آمَنَّا بالله وَحْدَهُ ﴾ [ غافر : ٨٤ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴾ إنكار عليهم وتهديد لهم، فإنهم كانوا يقولون للرسول تكذيباً واستبعاداً : ائتنا بعذا الله، كما قال تعالى :﴿ أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ * مَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُون ﴾ الآيات، ثم قال :﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب ﴾ [ الحج : ٤٧ ] أي لو أخرناهم وأنظرناهم وأمليناهم برهة من الدهر وحيناً من الزمان وإن طال، ثم جاءهم أمر الله، أي شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعيم ﴿ حتى إِذَآ أَدْرَكَهُ الغرق قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بنوا إِسْرَائِيلَ ﴾ [ يونس : ٩٠ ]، وقال تعالى :﴿ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ العذاب أَن يُعَمَّرَ ﴾ [ البقرة : ٩٦ ]، وقال تعالى :﴿ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تردى ﴾ [ الليل : ١١ ]، ولهذا قال تعالى :﴿ مَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ ﴾. وفي الحديث الصحيح :« » يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة ثم يقال له هل رأيت خيراً قط؟ هل رأيت نعيماً قط؟ فيقول : لا والله يا رب «. ويؤتى بأشد الناس بؤساً كان في الدنيا فيصبغ في الجنة صبغة ثم يقال له : هل رأيت بؤساً قط؟ فيقول : لا والله يا رب » ثم قال تعالى مخبراً عن عدله في خلقه إنه ما أهلك أمة من الأمم إلاّ بعد الإعذار إليهم والإنذار لهم وبعثة الرسل إليهم، وقيام الحجة عليهم، ولهذا قال تعالى :﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ * ذكرى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ كما قال تعالى :﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ [ الإسراء : ١٥ ]، وقال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القرى حتى يَبْعَثَ في أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ﴾ [ القصص : ٥٩ ] إلى قوله ﴿ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ [ القصص : ٥٩ ].


الصفحة التالية
Icon