يقول تعالى مخاطباً لمن زعم من المشركين أن ما جاء به الرسول ﷺ ليس بحق، وأنه شيء افتعله من تلقاء نفسه، أو أنه أتاه به رِئي الجان، فنزه الله سبحانه وتعالى جناب رسوله عن قولهم وافترائهم، ونبه أن ما جاء به إنما هو من عند الله، وأنه تنزيله ووحيه نزل به ملك كريم أمين عظيم، وأنه ليس من قبل الشياطين، فإنهم ليس لهم رغبة في مثل هذا القرآن العظيم وإنما ينزلون على من يشاكلهم ويشابههم من الكهان الكذبة. ولهذا قال الله تعالى :﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ ﴾ أي أخبركم ﴿ تَنَزَّلُ الشياطين * تَنَزَّلُ على كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾ أي كذوب في قوله وهو الأفاك ﴿ أَثِيمٍ ﴾ وهو الفاجر في أفعاله، فهذا هو الذي تنزل عليه الشياطين من الكهان وما جرى مجراهم من الكذبة الفسقة فإن الشياطين أيضاً كذبه فسقة ﴿ يُلْقُونَ السمع ﴾ أي يسترقون السمع من السماء فيسمعون الكلمة من علم الغيب، فيزيدون معها مائة كذبة ثم يلقونها إلى أوليائهم من الإنس، فيحدثون بها فيصدقهم الناس في كل ما قالوه بسبب صدقهم في تلك الكلمة التي سمعت من السماء، كما روى البخاري عن عروة بن الزبير قال، قالت عائشة رضي الله عنها :« سأل ناس النبي ﷺ عن الكهان فقال :» إنهم ليسوا بشيء «، قالوا : يا رسول الله فإنهم يحدثون بالشيء يكون، فقال النبي ﷺ :» تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليه كقرقرة الدجاج فيخطلون معها أكثر من مائة كذبة « وروى البخاري أيضاً عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال :» إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنها سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم؟ قالوا : الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا بعضهم فوق بعض - وصفه سفيان بيده فحرفها وبدد بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة، فيقال : أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا : كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء «.
وقوله تعالى :﴿ والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون ﴾ قال ابن عباس : يعني الكفار يتبعهم ضلال الإنس والجن؛ وكذا قال مجاهد رحمه الله، وقال عكرمة : كان الشاعران يتهاجيان فينتصر لهذا فئام من الناس، ولهذا فئام من الناس، فأنزل الله تعالى :﴿ والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون ﴾. وقال الإمام أحمد عن أبي سعيد قال : بينما نحن نسير مع رسول الله ﷺ بالعرج إذ عرض شاعر ينشد، فقال النبي ﷺ :