« خذوا الشيطان - أو أمسكوا الشيطان -، لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً » وقوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴾ قال ابن عباس : في كل لغو يخوضون، وقال الضحاك عن ابن عباس : في كل فن من الكلام، وكذا قال مجاهد وغيره. وقال الحسن البصري : قد والله رأينا أوديتهم التي يخوضون فيها مرة في شتيمة فلان ومرة في مديحة فلان، وقال قتادة : الشاعر يمدح قوماً بباطل ويذم قوماً بباطل، وقوله تعالى :﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ﴾ قال ابن عباس : كان رجلان على عهد رسول الله أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين، وإنهما تهاجيا فكان مع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء، فقال الله تعالى :﴿ والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ﴾، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : أكثر قولهم يكذبون فيه، وهذا الذي قاله ابن عباس رضي الله عنه هو الواقع في نفس الأمر، فإن الشعراء يتبجحون بأقوال وأفعال لم تصدر منهم ولا عنهم فيتكثرون بما ليس لهم، ولهذا جاء في الحديث :« لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً يريه خير له من أن يمتلئ شعراً »، والمراد من هذا أن الرسول ﷺ الذي أنزل عليه هذا القرآن ليس بكاهن ولا بشاعر، لأن حاله مناف لحالهم من وجوه ظاهرة، كما قال تعالى :﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ﴾ [ يس : ٦٩ ]، وقال تعالى :﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ العالمين ﴾ [ الحاقة : ٤١-٤٣ ] وهكذا قال هاهنا ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين * نَزَلَ بِهِ الروح الأمين * على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾ [ الشعراء : ١٩٢-١٩٥ ] إلى أن قال :﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ ﴾ [ الشعراء : ٢١٠-٢١٢ ]، إلى أن قال :﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشياطين * تَنَزَّلُ على كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السمع وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ * والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ﴾. وقوله :﴿ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً ﴾ الآية.
قال محمد بن إسحاق : لما نزلت ﴿ والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون ﴾ جاء حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك إلى رسول الله ﷺ وهم يبكون قالوا : قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء، فتلا النبي ﷺ :﴿ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ قال :« أنتم » ﴿ وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً ﴾ قال :« أنتم »، ﴿ وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ ﴾ قال :« أنتم ».


الصفحة التالية
Icon