لما أخبره الرجل بما تمالأ عليه فرعون ودولته في أمره، خرج من مصر وحده ولم يألف ذلك قبله، بل كان في رفاهية ونعمة ورياسة ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ ﴾ أي يتلفت ﴿ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القوم الظالمين ﴾ أي من فرعون وملئه، فذكروا أن الله سبحانه وتعالى بعث إليه ملكاً فأرشده إلى الطريق ﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ ﴾ أي أخذ طريقاً سالكاً فرح بذلك، ﴿ قَالَ عسى ربي أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السبيل ﴾ أي الطريق الأقوم، ففعل الله به ذلك، وهداه إلى الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة، فجعله هادياً مهدياً، ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ ﴾ أي لما وصل إلى مدين ورد ماءها، وكان لها بئر يرده رعاء الشاء ﴿ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ الناس يَسْقُونَ ﴾ أي جماعة يسقون ﴿ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امرأتين تَذُودَانِ ﴾ أي تكفكفان غنمهما أن ترد مع غنم أولئك الرعاء لئلا يؤذيا، فلما رآهما موسى عليه السلام رق لهما ورحمهما، ﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ﴾ ؟ أي ما خبركما لا تردان مع هؤلاء، ﴿ قَالَتَا لاَ نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرعآء ﴾ أي لا يحصل لنا سقي إلاّ بعد فراغ هؤلاء، ﴿ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ أي فهذا الحال الملجىء لنا إلى ما ترى، قال الله تعالى :﴿ فسقى لَهُمَا ﴾ روى عمرو بن ميمون الأودي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون، قال : فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر ولا يطيق رفعها إلاّ عشرة رجال، فإذا هو بأمرأتين تذودان قال : ما خطبكما؟ فحدثناه فأتى الحجر فرفعه، ثم لم ستق إلاّ ذنوباً واحداً حتى رويت الغنم، وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ تولى إِلَى الظل فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ قال ابن عباس : سار موسى من مصر إلى مدين ليس له طعام إلاّ ورق الشجر، وكان حافياً، فما وصل إلى مدين حتى سقطت نعل قدميه، وجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه، وإن بطنه للاصق بظهره من الجوع، وإن حضرة البقل لترى من داخل جوفه، وإنه لمحتاج إلى شق تمرة، وقوله :﴿ إِلَى الظل ﴾ جلس تحت شجرة، قال السدي : كانت الشجرة من شجر السمر، وقال عطاء : لما قال موسى ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ أسمع المرأة.