لما رجع المرأتان سريعاً بالغنم إلى أبيهما أنكر حالهما بسبب مجيئهما سريعاً، فسألهما عن خبرهما فقصتا عليه ما فعل موسى عليه السلام، فبعث إحداهما إليه لتدعوه إلى أبيها، قال الله تعالى :﴿ فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى استحيآء ﴾ أي مشي الحرائر، جاءت مستترة بكم درعها، قال عمر رضي الكله عنه جاءت ﴿ تَمْشِي عَلَى استحيآء ﴾ قائلة بثوبها على وجهها ليست بسَلْفَع من النساء ولاَّجة خرَّاجة. ﴿ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ وهذا تأدب في العبارة لم تطلبه طلباً مطلقاً لئلا يوهم ريبة، بل قالت :﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ يعني لثيبك ويكافئك على سقيك لغنمنا، ﴿ فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ القصص ﴾ أي ذكر له ما كان من أمره وما جرى له من السبب الذي خرج من أجله من بلده ﴿ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القوم الظالمين ﴾ يقول : طب نفساً وقر عيناً فقد خرجت من مملكتهم فلا حكم لهم في بلادنا، ولهذا قال :﴿ نَجَوْتَ مِنَ القوم الظالمين ﴾. وقد اختلف المفسرون في الرجل من هو؟ على أقوال : أحدها أنه شعيب النبي عليه السلام الذي أرسل إلى أهل مدين، وقال آخرون : بل كان ابن أخي شعيب، وقيل : رجل مؤمن من قوم شعيب، وقال آخرون : كان شعيب قبل زمان موسى عليه السلام بمدة طويلة لأنه قيل لقومه ﴿ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ ﴾ [ هود : ٨٩ ]، وعن ابن عباس قال : الذي استأجر موسى ( يثرى ) صابح مدين رواه ابن جرير، ثم قال : الصواب أن هذا لا يدرك إلاّ بخبر تجب به الحجة في ذلك. وقوله تعالى :﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا ياأبت استأجره إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوي الأمين ﴾ أي قالت إحدى ابنتي هذا الرجل قيل : هي التي ذهبت وراء موسى عليه السلام قالت لأبيها :﴿ ياأبت استأجره ﴾ أي لرعية هذه الغنم، ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوي الأمين ﴾ قال لها أبوها : وما علمك بذلك؟ قالت له : إنه رفع الصخرة التي لا يطيق حملها إلاّ عشرة رجال، وإني لما جئت معه تقدمت أمامه فقال لي : كوني من ورائي، فإذا اختلف عليَّ الطريق فاحذفي لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق لأهتدي إليه. وقال ابن مسعود : أفرس الناس ثلاثة : أبو بكر حين تفرس في عمر، وصاحب يوسف حين قال أكرمي مثواه، وصاحبة موسى حين قالت :﴿ ياأبت استأجره إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوي الأمين ﴾، ﴿ قَالَ إني أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتي هَاتَيْنِ ﴾ أي طلب إليه هذا الرجل الشيخ الكبير أن يرعىغنمه ويزوجه إحدى بنتيه.
وقوله تعالى :﴿ على أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ ﴾ أي على أن ترعى غنمي ثماني سنين، فإن تبرعت بزيادة سنتين فهو إليك، وإلاّ ففي الثمان كفاية، ﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ أي لا أشاقك ولا أؤاذيك ولا أماريك.


الصفحة التالية
Icon