يخبر تعالى عن كفر فرعون وطغيانه، وافترائه في دعواه الإِلهية لعنه الله، كما قال تعالى :﴿ فاستخف قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ﴾ [ الزخرف : ٥٤ ] الآية، وذلك لأنه دعاهم إلى الاعتراف له بالإلهية، فأجابوه إلى ذلك بقلة عقولهم وسخافة أذهانهم، ولهذا قال :﴿ ياأيها الملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي ﴾، وقال تعالى أخباراً عنه ﴿ فَحَشَرَ فنادى * فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى ﴾ [ النازعات : ٢٣-٢٤ ] يعني أنه جمع قومه ونادى فيهم بصوته العالي مصرحاً لهم بذلك فأجابوه سامعين مطيعين، ولهذا انتقم الله تعالى منه فجعله عبرة لغيره في الدنيا والآخرة، حتى إنه واجه موسى الكليم بذلك، فقال :﴿ لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين ﴾ [ الشعراء : ٢٩ ]، وقوله :﴿ فَأَوْقِدْ لِي ياهامان عَلَى الطين فاجعل لِّي صَرْحاً لعلي أَطَّلِعُ إلى إله موسى ﴾ يعني أمر وزيره ( هامان ) مدير رعيته أو يوقد له على الطين يعني يتخذ له آجراً لبناء الصرح، وهو القصر المنيف الرفيع العالي، كما قال في الآية الأخرى :﴿ وَقَالَ فَرْعَوْنُ ياهامان ابن لِي صَرْحاً لعلي أَبْلُغُ الأسباب * أَسْبَابَ السماوات فَأَطَّلِعَ إلى إله موسى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً ﴾ [ غافر : ٣٦-٣٧ ] الآية. وذلك لأن فرعون بنى هذا الصرح الذي لم ير في الدنيا بناء أعلى منه إنما أراد بهذا أن يظهر لرعيته تكذيب موسى فيما زعمه من دعوى إله غير فرعون، ولهذا قال :﴿ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الكاذبين ﴾ أي في قوله إن ثَمَّ رباً غيري، لا أنه كذبه في أن الله تعالى أرسله لأنه لم يكن يعترف بوجود الصانع جل وعلا، فإنه قال :﴿ وَمَا رَبُّ العالمين ﴾ [ الشعراء : ٢٣ ] ؟ وقال :﴿ لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين ﴾ [ الشعراء : ٢٩ ]، وقال :﴿ ياأيها الملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي ﴾ وهذا قول ابن جرير، وقوله تعالى :﴿ واستكبر هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق وظنوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ ﴾ أي طغوا وتجبروا وأكثروا في الأرض الفساد، واعتقدوا أنه لا قيامة ولا معاد، ﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد ﴾ [ الفجر : ١٣-١٤ ]، ولهذا قال تعالى هاهنا :﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليم ﴾ أي إغرقناهم في البحر في صبيحة واحدة فلم يبق منهم أحد، ﴿ فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظالمين * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار ﴾ أي لمن سلك وراءهم وأخذ بطريقتهم في تكذيب الرسل وتعطيل الصانع، ﴿ وَيَوْمَ القيامة لاَ يُنصَرُونَ ﴾ أي فاجتمعك عليهم خزي الدنيا موصولاً بذل الآخرة، كما قال تعالى :﴿ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ ﴾ [ محمد : ١٣ ]، وقوله تعالى :﴿ وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ الدنيا لَعْنَةً ﴾ أي وشرع الله لعنتهم ولعنة ملكهم فرعون على ألسنة المؤمنين من عبادة المتبعين لرسله كما أنهم في الدينا ملعونين على ألسنة الأنبياء وأتباعهم كذلك، ﴿ وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ المقبوحين ﴾ قال قتادة : هذه الآية كقوله تعالى :﴿ وَأُتْبِعُواْ فِي هذه لَعْنَةً وَيَوْمَ القيامة بِئْسَ الرفد المرفود ﴾ [ هود : ٩٩ ].