وقوله تعالى :﴿ لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ﴾ أي من قبل ذلك ومن بعد :﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون * بِنَصْرِ الله ﴾ أي للروم أصحاب قيصر ملك الشام على فارس أصحاب كسرى، وهم المجوس، وكانت نصرة الروم على فارس يوم وقعة بدر في قول طائفة كثيرة من العلماء كابن عباس والثوري والسدي وغيرهم، وقد ورد في الحديث عن أبي سعيد قال : لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين ففرحوا به، وأنزل الله :﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون * بِنَصْرِ الله يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ العزيز الرحيم ﴾، وقال الآخرون : بل كان نصر الروم على فارس عام الحديبية، والأمر في هذا سهل قريب، إلاّ أنه لما انتصرت فارس على الروم ساء ذلك المؤمنين، فلما انتصرت الروم على فارس فرح المؤمنون بذلك لأن الروم أهل كتاب في الجملة فهم أقرب إلى المؤمنين من المجوس، كما قال تعالى :﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ الناس عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ اليهود والذين أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الذين قالوا إِنَّا نصارى ﴾ [ المائدة : ٨٢ ] إلى قوله :﴿ رَبَّنَآ آمَنَّا فاكتبنا مَعَ الشاهدين ﴾ [ المائدة : ٨٣ ]. وقال تعلى هاهنا :﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون * بِنَصْرِ الله يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ العزيز الرحيم ﴾، عن العلاء بن الزبير الكلابي عن أبيه قال : رأيت غلبة فارس الروم، ثم رأيت غلبة الروم فارس، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم كل ذلك في خمس عشرة سنة. وقوله تعالى :﴿ وَهُوَ العزيز ﴾ أي في اتصاره وانتقامه من أعدائه، ﴿ الرحيم ﴾ بعباده المؤمنين، وقوله تعلى :﴿ وَعْدَ الله لاَ يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ ﴾ أي هذا الذي أخبرناك به يا محمد من أنا سننصر الروم على فارس وعد من الله حق، وخبر صدق لا يخلف، ولا بد من كونه ووقوعه، لأن الله قد جرت سنته أن ينصر أقرب الطائفتين المقتتلتين إلى الحق ويجعل لها العاقبة، ﴿ ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أي بحكم الله في كونه وأفعاله المحكمة الجارية على وقف العدل، وقوله تعالى :﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحياة الدنيا وَهُمْ عَنِ الآخرة هُمْ غَافِلُونَ ﴾ أي أكثر الناس ليس لهم علم إلاّ بالدنيا وأكسابها وشؤونها وما فيها، فهم حذاف أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها، وهم غافلون في أمور الدين وما ينفعهم في الدار الآخرة، كأن أحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة، قال الحسن البصري : والله ليبلغ من أحدهم بدنياه أنه ثقلب الدرهم على ظفره فيخبرك بوزنه وما يحسن أن يصلي، وقال ابن عباس في قوله تعالى :﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحياة الدنيا وَهُمْ عَنِ الآخرة هُمْ غَافِلُونَ ﴾ يعني الكفار يعرفون عمران الدنيا وهم في أمر الدين جهال.