وهاهنا مسائل تتعلق بهذا الآية ( إحداها ) : أنه قد ذهب طائفة من السلف إلى أن من كان مقيماً في أول الشهر ثم سافر في اثنائه فليس له الإفطار بعذر السفر والحالة هذه لقوله :﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾، وإنما يباح الإفطار لمسافر استهل الشهر وهو مسافر، وهذا قول غريب نقله ابن حزم في كتابه ( المحلى ) عن جماعة من الصحابة والتابعين وفيما حكاه عنهم نظر، فإنه قد ثبتت السنّة عن رسول الله ﷺ أنه خرج في شهر رمضان لغزوة الفتح فسار حتى بلغ الكديد ثم أفطر وأمر الناس بالفطر، ( الثانية ) : ذهب آخرون من الصحابة والتابعين إلى وجوب الإفطار في السفر لقوله تعالى :﴿ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ والصحيح قول الجمهور أن الأمر في ذلك على التخيير، وليس بحتم، لأنهم كانوا يخرجون مع رسول الله ﷺ في شهر رمضان قال : فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، فلو كان الإفطار هو الواجب لأنكر عليهم الصيام، بل الذي ثبت من فعل رسول الله ﷺ أنه كان في مثل هذه الحالة صائماً، لما ثبت في الصحيحين عن أبي الدرداء، قال : خرجنا مع رسول الله ﷺ في شهر رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله ﷺ وعبد الله بن رواحة. ( الثالثة ) : قالت طائفة، منهم الشافعي : الصيام في السفر أفضل من الإفطار لفعل النبي ﷺ كما تقدم، وقالت طائفة : بل الإفطار أفضل أخذاً بالرخصة، وقالت طائفة : هما سواء لحديث عائشة « أن حمزة بن عمرو الأسلمي، قال : يا رسول الله إني كثير الصيام أفأصوم في السفر؟ فقال :» إن شئت فصم وإن شئت فأفطر «، وقيل : إن شقَّ الصيام فالإفطار أفضل لحديث جابر :» أن رسول الله ﷺ رأى رجلاً قد ظلّل عليه فقال :« ما هذا »؟ قالوا : صائم، فقال :« ليس من البر الصيام في السفر » أخرجاه. ( الرابعة ) : القضاء هل يجب متتابعاً أو يجوز فيه التفريق فيه قولان :( أحدهما ) : أنه يجب التتابع لأن القضاء يحكي الأداء ( والثاني ) : لا يجب التتابع بل إن شاء فرق وإن شاء تابع، وهذا قول جمهور السلف والخلف وعليه ثبتت الدلائل لأن التتابع إنما وجب في الشهر لضرورة أدائه في الشهر، فأما بعد انقضاء رمضان فالمراد صيام أيام عدة ما أفطر، ولهذا قال تعالى :﴿ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾، ثم قال تعالى :﴿ يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر ﴾.


الصفحة التالية
Icon