يخبر تعالى أنه هو الذي سخر البحر، لتجري فيه الفلك بأمره، أي بلطفه وتسخيره، فإنه لولا ما جعل في الماء من قوة يحمل بها السفن لما جرت، ولهذا قال :﴿ لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ ﴾ أي من قدرته ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ أي صبار في الضراء، شكور في الرخاء، ثم قال تعالى :﴿ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كالظلل ﴾ أي كالجبال والغمام ﴿ دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ﴾، كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾ [ الإسراء : ٦٧ ]، وقال تعالى :﴿ فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك ﴾ [ العنكبوت : ٦٥ ] الآية، ثم قال تعالى :﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ ﴾ قال مجاهد : أي كافر، كأنه فسر المقتصد هاهنا بالجاحد، كما قال تعالى :﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [ العنكبوت : ٦٥ ] وقال ابن زيد، هو المتوسط في العمل، وهذا الذي قاله ابن زيد في المراد في قوله تعالى :﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ ﴾ [ فاطر : ٣٢ ] الآية، فالمقتصد هاهنا هو المتوسط في العمل، ويكون من باب الإِنكار على من شاهد تلك الأهوال، والأمور العظام، والآيات الباهرات في البحر؛ ثم بعدها أنعم الله عليه بالخلاص، كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام، والدؤوب في العبادة، والمبادرة إلى الخيرات، فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصراً والله أعلم، وقوله تعالى :﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴾ الختار : هو الغدّار، قال مجاهد والحسن وهو الذي كلما عاهد نقض عهده، والختر أتم الغدر وأبلغه. قال عمر بن معد يكرب :

وإنك لو رأيت أبا عمير ملأت يديك من غدر وختر
وقوله ﴿ كَفُورٍ ﴾ أي جحود للنعم لا يشكرها بل يتناساها ولا يذكرها.


الصفحة التالية
Icon