يقول تعالى :﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ﴾ أي إنما يصدق بها ﴿ الذين إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً ﴾ أي استمعوا لها وأطاعوها قولاً وفعلاً، ﴿ وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ أي عن اتباعها والانقياد لها، كما يفعله الجهلة من الكفرة الفجرة، قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [ غافر : ٦٠ ]، ثم قال تعالى :﴿ تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع ﴾ يعني بذلك قيام الليل وترك النوم، والاضطجاع على الفرش الوطيئة، قال مجاهد الحسن : يعني بذلك قيام الليل، وعن أنس وعكرمة : هو الصلاة بين العشاءين، وعن أنس أيضاً : هو انتظار صلاة العتمة، وقال الضحاك : هو صلاة العشاء في جماعة وصلاة الغداة في جماعة ﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾ أي خوفاً من وبال عقابه، وطمعاً في جزيل ثوابه ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ فيجمعون بين فعل القربات اللازمة والمتعدية، عن معاذ بن جبل قال :« كنت مع النبي صلى الله عليه سولم في سفر، فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير، فقلت : يا نبي الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال :» لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على ن يسره الله عليه، وتعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفىء الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل ثم قرأ ﴿ تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع ﴾ حتى بلغ ﴿ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾، ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ « فقلت : بلى يا رسول الله، فقال :» رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله «؟ فقلت : بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه ثم قال :» كفْ عليك هذا « فقلت : يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال : ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلاّ حصائد ألسنتهم ».
وروى ابن أبي حاتم، عن معاذ بن جبل قال :« كنت مع النبي ﷺ في غزوة تبوك فقال :» إن شئت نبأتك بأبواب الخير، الصوم جنة والصدقة تطفىء الخطيئة وقيام الرجل في جوف الليل « ثم تلا رسول الله ﷺ :﴿ تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع ﴾ الآية، عن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله ﷺ :» إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، جاء منادي فنادى بصوت يسمع الخلائق « سيعلم أهل الجمع الجمع اليوم من أولى بالكرم » ثم يرجع فينادي : ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضادجع الآية فيقومون وهم قليل «