« لو أدركت رسول الله ﷺ قاتلت معه وأبليت، فقال له حذيفة : أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله ﷺ ليلة الأحزاب في ليلة ذات ريح شديدة وقر، فقال رسول الله ﷺ :» ألا رجل يأتي بخبر القوم يكون معي يوم القيامة « فلم يجبه منّا أحد، ثم الثانية مثله، ثم قال ﷺ :» يا حذيفة قم فأتنا بخبر من القوم « فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم فقال :» ائتني بخبر القوم ولا تذعرهم عليّ «، قال فمضيت كأنما أمشي في حمّام حتى أتيتهم، فإذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار، فوضعت سهماً في كيد قوسي وأردت أن أرميه، ثم ذكرت قول رسول الله ﷺ : لا تذعرهم عليّ ولو رميته لأصبته، قال : فرجعت كأنما أمشي في حمّام فأتيت رسول الله ﷺ، ثم أصابني البرد حيثن فرغت وقررت، فأخبرت رسول الله ﷺ وألبسني من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أزل نائماً حتى الصبح، فما أن أصبحت قال رسول الله ﷺ :» قم يا نومان « ».
وأخرج الحاكم والبيهقي في « الدلائل » عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة قال :« ذكر حذيفة رضي الله عنه مشاهدهم مع رسول الله ﷺ، فقال جلساؤه : أما والله لو شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا، فقال حذيفة : لا تمنوا ذلك لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعوداً وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا، وقريظة لليهود أسفل منها نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا قط أشد ظلمة ولا أشد ريحاً في أصوات ريحها أمثال الصواعق وهي ظلمة ما يرى أحدنا أصبعه، فجعل المنافقون يستأذنون النبي ﷺ ويقولون : أن بيوتنا عورة وما هي بعورة، فما يستأذنه أحد منهم إلاّ أذن له، ويأذن لهم فيتسللون ونحن ثلثمائة أو نحو ذلك إذا استقبلنا رسول الله ﷺ رجلاً رجلاً، حتى أتى علي وما عليَّ جنة من العدو ولا من البرد إلاّ مرط لامرأتي ما يجاوز ركبتي، قال فأتاني ﷺ، وأنا جاث على ركتبي فقال :: من ذها؟ » فقلت : حذيفة، قال :« حذيفة؟ » فتقاصرت الأرض فقلت : بلى يا رسول الله كراهية أن اقوم فقمت، فقال :« إنه كائن في القوم خبر فأتني بخبر القوم : قال : وأنا من أشد الناس فزعاً وأشدهم قراً قال : فخرجت فقال رسول الله ﷺ :» اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته «، قال : فوالله ما خلق الله تعالى فزعاً ولا قراً في جوفي إلاّ خرج من جوفي، فما أجد فيه شيئاً، قال : فلما وليت قال ﷺ :» يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئاً حتى تأتيني « قال : فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد، فإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويسمح خاصرته ويقول : الرحيل الرحيل ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك، فانتزعت سهماً من كنانتي أبيض الريش، فأضعه في كبد قوسي لأرميه به في ضوء الناء، فذكرت قول رسول الله ﷺ :» لا تحدثن فيهم شيئاً حتى تأتيني «، قال : فأمسكت ورددت سهمي إلى كنانتي ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت المعسكر، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون : يا آل عامر الرحيل الرحيل لا مقام لكم، وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبراً، فوالله إني لأسم صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم الريح تضربهم بها، ثم خرجت نحو النبي ﷺ، فلما انتصفت في الطريق أو نحواً من ذلك، إذا أنا بنحو من عشرين فارساً أو نحو ذلك معتمين فقالوا : أخبر صابحك أن الله تعالى كفاه القوم، فرجعت إلى رسول الله ﷺ وهو مشتمل في شملة يصلي فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القر وجعلت أقرقف، فأوما إلي رسول الله ﷺ بيده وهو يصلي، فدنوت منه، فأسبل علي شملة، كان رسول الله ﷺ إذا حزبه أمر صلى، فأخبرته خبر القوم وأخبرته أني تركتهم يرتحلون »


الصفحة التالية
Icon