لما ذكر تعالى عن المنافقين أنهم نقضوا العهد، وصف المؤمنين بأنهم استمروا على العهد والميثاق، و ﴿ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ ﴾ قال بعضهم : أجله، وقال البخاري : عهده، وهو يرجع إلى الأول ﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ﴾ أي وما غيروا عهد الله و لا نقضوه ولا بدلوه. روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : نرى هذه الآيات نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه ﴿ مِّنَ المؤمنين رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ ﴾ الآية، وروى الإمام أحمد عن ثابت قال :« قال أنس عمي ( أنس بن النضر ) رضي الله عنه، لم يشهد مع رسول الله ﷺ يوم بدر فشق عليه، وقال : أول مشهد شهده رسول الله ﷺ غبت عنه، لئن أران الله تعالى مشهداً فيما بعد مع رسول الله ﷺ ليرين الله عزَّ وجلَّ ما أصنع، قال : فهاب أن يقول غيرها، فشهد مع رسول الله ﷺ يوم أُحد، فاستقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال له أنس رضي الله عنه : يا أبا عمرو أين، واهاً لريح الجنة إني أجده دون أحد، قال : فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه، قال : فوجد في جسده بضع وثمانون بين ضربة وطعنة ورمية، فقالت أخته عمتي الربيع ابنة النضر : فما عرفت أخي إلاّ ببنانه، قال : فنزلت هذه الآية ﴿ مِّنَ المؤمنين رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ﴾ قال : فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه رضي الله عنهم ». وعن طلحة رضي الله عنه قال :« لما رجع رسول الله ﷺ من أُجد صعد المنبر، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، وعزّى المسلمين بما أصابهم، وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر والذخر، ثم قرأ هذه الآية :﴿ مِّنَ المؤمنين رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ ﴾ الآية كلها، فقام إليه رجل من المسلمين فقال : يا رسول الله من هؤلاء؟ فأقبلتُ وعليَّ ثوبان أخضران حضرميان فقال :» أيها السائل هذا منهم « ».
قال مجاهد في قوله تعالى :﴿ فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ ﴾ يعني عهده ﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ ﴾ يوماً فيه القتال فيصدق في اللقاء، وقال الحسن :﴿ فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ ﴾ يعني موته على الصدق والوفاء، ومنهم من ينتظر على مثل ذلك، ومنهم من لم يبدلا تبديلاً، وقال بعضهم : نحبه نذره، وقوله تعالى :﴿ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ﴾ أي ما غيروا عهدهم وبدلوا الوفاء بالغدر، بل استمروا على ما عاهدوا الله عليه وما نقضوه كفعل المنافقين الذين


الصفحة التالية
Icon