قد تقدم أن ( بني قريظة ) لما قدمت الأحزاب، ونزلوا على المدينة نقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله ﷺ من العهد، وكان ذلك بسفارة ( حيي بن أخطب ) لعنه الله د خل حصنهم، ولم يزل بسيدهم ( كعب بن أسد ) حتى نقض العهد، وقال : له فيما قال : ويحك قد جئتك بعز الدهر، أتيتك بقريش وأحابيشها، وغطفان وأتباعها، ولا يزالون ههنا حتى يستأصلوا محمداً وأصحابه، فقال له كعب : بل والله أتيتني بذل الدهر، فلم يزل يفتل في الذروة والغارب، حتى أجابه، فلما نقضت قريظة وبلغ ذلك رسول الله ﷺ، ساءه وشق عليه وعلى المسلمين جداً، فلما أيده الله تعالى ونصره، وكبت الأعداء وردهم خائبين بأخسر صفقة، ورجع رسول الله ﷺ إلى المدينة مؤيداً منصوراً، ووضع الناس السلاح، « فبينما رسول الله ﷺ يغتسل من وعثاء تلك المرابطة، في بيت أم سلمة رضي الله عنها، إذ تبدى له جبريل عليه الصلاة والسم متعجراً بعامة من إستبرق على بلغة عليها قطيفة من ديباج، فقال : أوضعت السلاح يا رسول الله؟ قال ﷺ :» نعم «، قال : لكن الملائكة لم تضع أسلحتها، وهذا الآن رجوعي من طلب القوم، ثم قال : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تنهض إلى بني قريظة، فنهض رسول الله ﷺ من فوره، وأمر الناس بالمسير إلى بني قريظة وكانت على أميال من المدينة وذلك بعد صلاة الظهر، وقال ﷺ :» لا يصلين أحد منكم العصر إلاّ في بني قريظة «، فسار الناس فأدركتهم الصلاة في الطريق، فصلى بعضهم في الطريق، وقالوا : لم يرد منا رسول الله ﷺ إلاّ تعجيل المسير، وقال آخرون : لا نصليها إلاّ في بني قريظة، فلم يعنف واحداً من الفريقين، وتبعهم رسول الله ﷺ.
وقد استخلف على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله عنه، وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم نازلهم رسول الله ﷺ وحاصرهم خمساً وعشرين ليلة، فلما طال عليهم الحال نزلوا على حكم ( سعد بن معاذ ) سيد الأوس رضي الله عنه، لأنهم كانوا حلفاءهم في الجاهلية، فعند ذلك استدعاه رسول الله ﷺ من المدينة ليحكم فيهم، فلما أقبل وهو راكب على حمار قد وطئوا له عليه جعل الأوس يلوذون به ويقولون : يا سعد إنهم مواليك فأحسن فيهم، ويرققونه عليهم ويعطفونه، وهو ساكت لا يرد عليهم، فلما أكثروا عليه قال رضي الله عنه : لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، فعرفوا أنه غير مستبقيهم، فلما دنا من الخيمة التي فيها رسول الله ﷺ قال رسول الله ﷺ :» قوموا إلى سيدكم « فقام إليه المسلمون، فانزلوه إعظاماً وإكراماً واحتراماً له في محل ولايته ليكون أنفذ لحكمه فيهم، فلما جلس قال له رسول الله صلى الله عليه سلم :» إن هؤلاء وأشار إليهم قد نزلوا على حكمك فاحكم فيهم بما شئت « فقال رضي الله عنه : وحكمي نافذ عليهم؟ قال صلى الله وسلم :» نعم «، قال : نعلى من في هذه الخيمة؟ قال :» نعم «، قال : وعلى من هاهنا، وأشار إلى الجانب الذي في رسول الله ﷺ، فقال له رسول الله ﷺ :» نعم «، فقال رضي الله عنه : إني أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذريتهم وأموالهم، وفقال له رسول الله ﷺ :» لقد حكمت بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة «، ثم أمر رسول الله ﷺ بالأخاديد، فخدت في الأرض وجيء بهم مكتفين، فضرب أعناقهم، وكانوا ما بين السبعمائة إلى الثمانمائة، وسبي من لم ينبت منهم مع النساء وأموالهم »