يقول تعالى مخبراً عن نبيه ﷺ، أنه قال لمولاه ( زيد بن حارثة ) رضي الله عنه، وهو الذي ﴿ أَنعَمَ الله عَلَيْهِ ﴾ أي بالإسلام ومتابعة الرسول ﷺ ﴿ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ﴾ أي بالعتق من الرق، وكان سيداً كبير الشأن جليل القدر، حبيباً إلى النبي ﷺ يقال له ( الحب ) ويقال لابنه أسامة ( الحب ابن الحب ) قالت عائشة رضي الله عنها : ما بعثه رسول الله ﷺ في سرية إلا أمّره عليهم، ولو عاش بعده لاستخفله، وكان رسول الله ﷺ قد زوّجه بابنة عمته ( زينب بنت جحش ) الأسدية رضي الله عنها، وأصدقها عشرة دنانير وستين درهماً وخماراً وملحفة ودرعاً؛ فمكث عنده قريباً من سنة أو فوقها، ثم وقع بينهما فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله ﷺ، فجعل رسول الله ﷺ يقول له :« أمسك عليك زوجك واتق الله » قال الله تعالى :﴿ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ﴾. روى ابن أبي حاتم عن علي بن زيد بن جدعان قال : سألني علي بن الحسين رضي الله عنهما ما يقول الحسن في قوله تعالى :﴿ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ ﴾، فذكرت له، فقال لا، ولكن الله تعالى أعلم نبيه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد رضي الله عنه ليشكوها إليه قال :« اتق الله وأمسك عليك زوجك » فقال : قد أخبرتك أني مزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه.
وروى ابن جرير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لو كتم محمد ﷺ شيئاً مما أوحي إليه من كتاب الله تعالى لكتم ﴿ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ﴾، وقوله تعالى :﴿ فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا ﴾ الوطر : هو الحاجة والأرب، أي لما فزع منها وفارقها زوجناكها، وكان الذي ولي تزويجها منه الله عزَّ وجلَّ، بمعنى أنه أوحى إليه أن يدخل عليها بلا ولي ولا عقد ولا مهر ولا شهود من البشر، عن أنس رضي الله عنه قال :« لما انقضت عدة زينب رضي الله عنها قال رسول الله ﷺ لزيد بن حارثة :» اذهب فاذكرها عليَّ « فانطلق حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال : فلما رأيتها عظمت في صدري، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها وأقول : إن رسول الله ﷺ ذكرها، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي، وقلت : يا زينب أبشري أرسلني رسول الله ﷺ يذكرك، قالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤمر ربي عزَّ وجلَّ، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله ﷺ، فدخل عليها بغير إذن، ولقد رأيتنا حين دخلت على رسول الله ﷺ وأطعمنا عليها الخبز واللحم، فخرج الناس ويبقى رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام، فخرج رسول الله ﷺ واتبعته، فجعل ﷺ يتتبع حجر نسائه يسلم عليهم ويقلن : يا رسول الله كيف وجدت أهلك؟ فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبر، فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه، فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب ووعظ القوم بما وعظوا به ﴿ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾ [ الأحزاب : ٥٣ ] الآية كلها »


الصفحة التالية
Icon