﴿ تُرْجِي ﴾ أي تؤخر ﴿ مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ ﴾ أي من الواهبات، ﴿ وتؤوي إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ ﴾ أي من شئت رددتها، ومن رددتها فأنت فيها أيضاً بالخيار بعد ذلك إن شئت عدت فيها فأويتها، ولهذا قال :﴿ وَمَنِ ابتغيت مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ﴾، قال الشعبي : كن نساءاً وهبن أنفسهن للنبي ﷺ فدخل ببعضهن وأرجأ بعضهن لم ينكحهن بعده، منهن أم شريك، وقال آخرون : بل المراد بقوله :﴿ تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ ﴾ الآية، أي من أزواجك لا حرج عليك أن تترك القسم لهن، فتقدم من شئت، وتؤخر من شئت، وتجامع من شئت، وتترك من شئت؛ ومع هذا كان النبي ﷺ يقسم لهن، ولهذا ذهب طائفة من الفقهاء من الشافعية وغيرهم إلى أنه لم يكن القسم واجباً عليه ﷺ، واحتجوا بهذه الآية الكريمة، وروى البخاري « عن عائشة أن رسول الله ﷺ كان يستأذن في اليوم المرأة منا بعد أن نزلت هذه الآية :﴿ تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وتؤوي إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ابتغيت مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ﴾ فقلت لها : ما كنت تقولين؟ فقالت : كنت أقول : إن كان ذلك إليَّ فإني لا أريد يا رسول الله أن أوثر عليك أحداً »، ولهذا قال تعالى :﴿ ذَلِكَ أدنى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ﴾ أي إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم، فإن شئت قسمت وإن شئت لم تقسم، لا جناح عليك في أي ذلك فعلت، ثم مع هذا أن تقسم لهن اختياراً منك، لا أنه على سبيل الوجوب، فرحن بذلك واستبشرن واعترفن بمنتك عليهن، في قسمتك وإنصافك لهن وعدلك فيهن، وقوله تعالى :﴿ والله يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ ﴾ أي من الميل إلى بعضهن دون بعض مما لا يمكن دفعه، كما روي « عن عائشة قالت : كان رسول الله ﷺ يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول :» اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك « »، زاد أبو داود : يعني القلب ولهذا عقب ذلك بقوله تعالى :﴿ وَكَانَ الله عَلِيماً ﴾ أي بضمائر السرائر، ﴿ حَلِيماً ﴾ أي يحلم ويغفر.


الصفحة التالية
Icon