هذه آية الحجاب، وفيها أحكام وآداب شرعية، وهي مما وافق تنزيلها قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كما ثبت ذلك في « الصحيحين » عنه أنه قال :« وافقت ربي عزَّ وجلَّ في ثلاث : قلت : يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله تعالى :﴿ واتخذوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [ البقرة : ١٢٥ ]، وقلت : يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهم البر والفاجر فلو حجبتهن فأنزل الله آية الحجاب، وقلت لأزواج النبي ﷺ، لمَّا تمالأن عليه في الغيرة ﴿ عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ ﴾ [ التحريم : ٥ ] فنزل كذلك »، وفي رواية لمسلم :« ذكر أسارى بدر » وهي قضية رابعة. وفي البخاري عن أنس بن مالك : قال، قال عمر بن الخطاب : يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، وكان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول الله ﷺ بزينب بنت جحش، وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة في قول قتادة والواقدي وغيرهما، قال البخاري « عن أنس بن مالك : لما تزوج رسول الله ﷺ زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، فإذا هو يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام، قام من قام، وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي ﷺ ليدخل، فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقوا فجئت، فأخبرت النبي ﷺ أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل فألقى الحجاب بين وبينه، فأنزل الله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فادخلوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فانتشروا ﴾ » الآية.
وروى ابن أبي حاتم « عن أنس بن مالك قال : أعرس رسول الله ﷺ ببعض نسائه، فصنعت أم سليم حيساً ثم جعلته في تَوْر، فقالت : اذهب بهذا إلى رسول الله ﷺ وأقرئه منى السلام وأخبره أن هذا منا له قليل، قال أنس : والناس يومئذٍ في جَهْد فجئت به، فقلت : يا رسول الله بَعثَتْ بهذا أم سليم إليك، وهي تقرئك السلام وتقول أخبره أن هذا منا له قليل، فنظر إليه ثم قال :» ضعه « فوضعه في ناحية البيت ثم قال :» اذهب فادع لي فلاناً وفلاناً « فسمى رجالاً كثيراً، وقال :» ومن لقيت من المسلمين «، فدعوت من قال لي ومن لقيت من المسلمين فجئت والبيت والصفة والحجرة ملأى من الناس، فقلت : يا أبا عثمان كم كانوا؟ فقال : كانو زهاء ثلاثمائة، قال أنس : فقال لي رسول الله ﷺ :» جىءْ به « فجئت به إليه فوضع يده عليه ودعا، وقال :» ما شاء الله « ثم قال :» ليتحلق عشرة عشرة وليسموا، وليأكل كل إنسان مما يليه « فجعلوا يسمون ويأكلون حتى أكلوا كلهم، فقال لي رسول الله ﷺ :» ارفعه « قال : فجئت فأخذت التور، فنظرت فيه فما أدري أهو حين وضعت أكثر أم حين أخذت، قال : وتخلف رجال يتحدثون في بيت رسول الله ﷺ وزوج رسول الله ﷺ التي دخل بها معهم مولية وجهها إلى الحائط فأطالوا الحديث، فشقوا على رسول الله ﷺ وكان أشد الناس حياء، ولو أعلموا كان ذلك عليهم عزيزاً، فقام رسول الله ﷺ على حجره وعلى نسائه، فلما رأوه قد جاء ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه ابتدروا الباب، فخرجوا، وجاء رسول الله ﷺ حتى أرخى الستر ودخل البيت وأنا في الحجرة فمكث رسول الله ﷺ في بيته يسيراً وأنزل الله عليه القرآن فخرج وهو يتلو هذه الآية :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي ﴾ الآيات، قال أنس : فقرأهن عليَّ قبل الناس فأنا أحدث الناس بهن عهداً ».