يقول تعالى آمراً رسوله ﷺ أن يقول للمشركين :﴿ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ﴾، أي لا أريد منكم جعلاً ولا عطاء على أداء رسالة الله عزَّ وجلَّ إليكم، ونصحي إياكم وأمركم بعبادة الله ﴿ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله ﴾، أي إنما أطلب ثواب ذلك من عند الله ﴿ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ أي عالم بجميع الأمور بما أنا عليه من إخباري عنه بإرساله إياي إليكم وما أنتم عليه، وقوله عزَّ وجلَّ :﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بالحق عَلاَّمُ الغيوب ﴾، كقوله تعالى :﴿ يُلْقِي الروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ [ غافر : ١٥ ] أي يرسل الملك إلى من يشاء من عباده من أهل الأرض، وهو علام الغيوب، فلا تخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض، وقوله تبارك وتعالى :﴿ قُلْ جَآءَ الحق وَمَا يُبْدِىءُ الباطل وَمَا يُعِيدُ ﴾ أي جاء الحق من الله والشرع العظيم، وذهب الباطل واضمحل، كقوله تعالى :﴿ بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [ الأنبياء : ١٨ ]، ولهذا « لما دخل رسول الله ﷺ المسجد الحرام يوم الفتح، ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة، جعل يطعن الصنم منها ويقرأ :﴿ وَقُلْ جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقاً ﴾ [ الإسراء : ٨١ ]، ﴿ قُلْ جَآءَ الحق وَمَا يُبْدِىءُ الباطل وَمَا يُعِيدُ ﴾ » وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أي لم يبق للباطل مقالة ولا رياسة ولا كلمة، وزعم قتادة والسدي أن المراد بالباطل هاهنا إبليس أي أنه لا يخلق أحداً ولا يعيده ولا يقدر على ذلك، وهذا وإن كان حقاً، ولكن ليس هو المراد هاهنا والله أعلم، وقوله تبارك وتعالى :﴿ قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ على نَفْسِي وَإِنِ اهتديت فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ﴾ أي الخير كله من عند الله وفيما أنزل الله عزَّ وجلَّ، من الوحي والحق المبين، فيه الهدى والبيان والرشاد، ومن ضل فإنما يضل من تلقاء نفسه، وقوله تعالى :﴿ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ﴾ أي سميع لأقوال عباده ﴿ قَرِيبٌ ﴾ يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وقد روي في « الصحيحين » :« إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنما تدعون سميعاً قريباً مجيباً ».


الصفحة التالية
Icon