يقول تعالى : إنا جعلنا هؤلاء المحتوم عليهم بالشقاء، كمن جعل في عنقه غل، لجمع يديه مع عنقه تحت ذقنه، فارتفع رأسه فصار مقمحاً، ولهذا قال تعالى :﴿ فَهُم مُّقْمَحُونَ ﴾ والمقمح هو الرافع رأسه، كما قالت أم زرع في كلامها : وأشرب فأتقمح، أي أشرب فأروى فأرفع رأسي تهنيئاً وتروياً، واكتفى بذكر الغل في العنق عن ذكر اليدين وإن كانتا مرادتين، كما قال الشاعر :
فما أدري إذا يممت أرضاً | أريد الخير أيهما يليني |
وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب قال :« قال أبو جهل وهم جلوس : إن محمداً يزعم أنكم إن تابعتموه كنتم ملوكاً فإذا متم بعثتم بعد موتكم، وكانت لكم جنان خير من جنان الأردن، وأنكم إن خالفتموه كان لكم منه ذبح ثم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم نار تعذبون بها، وخرج عليهم رسول الله ﷺ عد ذلك وفي يده حفنة من تراب، وقد أخذ الله تعلى على أعينهم دونه، فجعل يذروها على رؤوسهم ويقرأ :﴿ يس * والقرآن الحكيم ﴾ حتى انتهى إلى قوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾، وانطلق رسول الله ﷺ لحاجته وباتوا رصداء على بابه حتى خرج عليهم بعد ذلك خارج من الدار، فقال : ما لكم؟ قالوا : ننتظر محمداً، قال : قد خرج عليكم، فما بقي منكم من رجل إلا وضع على رأسه تراباً، ثم ذهب لحاجته، فجعل كل رجل منهم ينفض ما على رأسه من التراب، قال : وقد بلغ النبي ﷺ قول أبي جهل فقال :» وأنا أقول ذلك إن لهم مني لذبحاً وإنه لآخذهم « »