وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ ﴾ أي قد ختم الله عليهم بالضلالة، فما يفليد فيهم الإنذارولا يتأثرون به. ﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر ﴾ أي إنما ينتفع بإنذارك المؤمنون الذين يتبعون ﴿ الذكر ﴾ وهو القرآن العظيم، ﴿ وَخشِيَ الرحمن بالغيب ﴾ أي حيث لا يراه أحد إلا الله تبارك وتعالى، يعلم أن الله مطلع عليه وعالم بما يفعل، ﴿ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ ﴾ أي لذنوبه ﴿ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾ أي كثير واسع حسن جميل كما قال تعالى :﴿ إِنَّ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [ الملك : ١٢ ].
ثم قال عزّ وجلّ :﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى ﴾ أي يوم القيامة، وفيه إشارة إلى أن الله تعالى يحيي قلب من يشاء من الكفار، الذين قد ماتت قلوبهم بالضلالة، فيهديهم بعد ذلك إلى الحق، كما قال تعالى بعد ذكر قسوة القلوب :﴿ اعلموا أَنَّ الله يُحْيِي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيات لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [ الحديد : ١٧ ]، وقوله تعالى :﴿ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ ﴾ أي من الأعمال، وفي قوله تعالى :﴿ وَآثَارَهُمْ ﴾ قولان : أحدهما : نكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم وآثارهم التي أثروها من بعدهم، فنجزيهم على ذلك أيضاً إن خيراً فخير وإن شراً فشر، كقوله ﷺ :« من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً » وهكذا الحديث الآخر :« إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : من علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية بعده » وقال مجاهد في قوله تعالى :﴿ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ ﴾ قال : ما أورثوا في الضلالة، وقال سعيد بن جبير :﴿ وَآثَارَهُمْ ﴾ يعني ما أثروا، يقول : ما سنوا من سنة فعمل بها قوم من بعد موتهم، وهذا القول هو اختيار البغوي. والقول الثاني : أن المراد بذلك آثار خطاهم إلى الطاعة أو المعصية، قال مجاهد :﴿ مَاَ قَدَّمُواْ ﴾ أعمالهم ﴿ وَآثَارَهُمْ ﴾ قال : خطاهم بأرجلهم. وقال قتادة : لو كان الله عزّ وجلّ مغفلاً شيئاً من شأنك يا ابن آدم أغفل ما تعفي الرياح من هذا الآثار، ولكن أحصى على ابن آدم أثره وعمله كله، حتى أحصى هذا الأثر فيما هو من طاعة الله تعالى أو من معصيته، فمن استطاع منكم أن يكتب أثره في طاعة الله تعالى فليفعل، وقد وردت في هذا المعنى أحاديث.


الصفحة التالية
Icon