قال ابن مسعود : إنهم وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصه من دبره وقال الله له :﴿ ادخل الجنة ﴾ فدخلها، فهو يرزق فيها قد أذهب الله عنه سقم الدنيا وحزنها ونصبها، وقال مجاهد : قيل لحبيب النجار : ادخل الجنة، وذلك أنه قتل فوجبت له، فلما رأى الثواب ﴿ قَالَ ياليت قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾ قال قتادة : لا تلقى المؤمن إلا ناصحاً لا تلقاه غاشاً، لما عاين ما عاين من كرامة الله تعالى :﴿ قَالَ ياليت قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المكرمين ﴾ تمنى والله أن يعلم قومه بما عاين من كرامة وما هجم عليه، وقال ابن عباس : نصح قومه في حياته بقوله :﴿ ياقوم اتبعوا المرسلين ﴾ [ يس : ٢٠ ]، وبعد مماته في قوله :﴿ قَالَ ياليت قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المكرمين ﴾، وقال سفيان الثوري عن أبي مجلز :﴿ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المكرمين ﴾ بإيماني بربي وتصديقي المرسلين، ومقصوده أنهم لو اطلعوا على ما حصل لي من هذا الثواب الجزاء والنعيم المقيم، لقادهم ذلك إلى اتباع الرسل، فرحمه الله وBه، فلقد كان حريصاً على هداية قومه. وقال محمد بن إسحاق، عن كعب الأحبار أنه ذكر له ( حبيب بن زيد ) الذي كان مسليمة الكذاب قطعه باليمامة، حين جعل يسأله عن رسول الله ﷺ، فجعل يقول له : أتشهد أن محمداً رسول الله؟ فيقول : نعم، ثم يقول : أتشهد إني رسول الله، فيقول : لا اسمع، فيقول له مسليمة لعنه الله : أتسمع هذا ولا تسمع ذاك؟ فيقول : نعم، فجعل يقطعه عضواً عضواً كلما سأله لم يزده على ل حتى مات في يديه، فقال كعب حين قيل له اسمه حبيب، وكان والله صاحب يس اسمه حبيب. وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السمآء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴾ يخبر تعالى أنه انتقم من قومه بعد قتلهم إياه، غضباً منه تبارك وتعالى عليهم، لأنهم كذبوا رسله وقتلوا وليه، ويذكر عزّ وجلّ أنه ما أنزل عليهم وما احتاج في إهلاكه إياهم إلى إنزال جند من الملائكة عليهم، بل الأمر كان أيسر من ذلك، ﴿ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾ فأهلك الله تعالى ذلك الملك، وأهلك أهل أنطاكية فبادوا عن وجه الأرض، فلم يبق منهم باقية، وقيل :﴿ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴾ أي وما كنا ننزل الملائكة على الأمم إذا أهلكناهم، بل نبعث عليهم عذاباً يدمرهم، وقيل : المعنى في قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السمآء ﴾ أي من رسالة أُخرى إليهم قال قتادة : فلا و الله ما عاتب الله قومه بعد قتله ﴿ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾ قال ابن جرير : والأول أصح لأن الرسالة لا تسمى جنداً.