يقول تعالى : ومن الدلالة لهم على قدرته تبارك وتعالى العظيمة، خلق الليل والنهار، هذا بظلامه وهذا بضيائه، وجعلهما يتعاقبان، يجيء هذا فيذهب هذا، ويذهب هذا فيجيء هذا، كما قال تعالى :﴿ يُغْشِي اليل النهار يَطْلُبُهُ حَثِيثاً ﴾ [ الأعراف : ٥٤ ]، ولهذا قال عزّ وجلّ هاهنا :﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ اليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار ﴾ أي نصرمه منه فيذهب فيقبل الليل، ولهذا قال تبارك وتعالى :﴿ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ﴾ كما جاء في الحديث :« إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم » هذا هو الظاهر من الآية؛ وقوله جلّ جلاله :﴿ والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز العليم ﴾ في معنى قوله :﴿ لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ : قولان : أحدهما : أن المراد مستقرها المكاني، وهو تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب، وهي أينما كانت فهي تحت العرش، هي وجميع المخلوقات لأنه سقفها، فحينئذٍ تسجد وتستأذن في الطلوع كما جاءت بذلك الأحاديث، روى البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال :« كنت مع النبي ﷺ في المسجد عند غروب الشمس، فقال ﷺ :» يا أبي ذر أتدري أي تغرب الشمس «؟ قلت : الله ورسوله أعلم، قال ﷺ :» فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله تعالى :﴿ والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز العليم ﴾ «، وروى البخاري أيضاً عن أبي ذر رضي الله عنه، قال :» سألت رسول الله ﷺ عن قوله تبارك وتعالى :﴿ والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ قال ﷺ :« مستقرها تحت العرش » « وعنه قال :» كنت مع رسول الله ﷺ في المسجد حين غربت الشمس، فقال ﷺ :« يا أبا ذر أتدري أين تذهب الشمس؟ » قلت : الله ورسوله أعلم، قال ﷺ :« فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عزّ وجلّ، فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها، كأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فترجع إلى مطلعها وذلك مستقرها ثم قرأ ﴿ والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ » «. والقول الثاني : أن المراد بمستقرها هو منتهى سيرها وهو يوم القيامة، يبطل سيرها وتسكن حركتها وتكوّر وينتهي هذا العالم إلى غايته، وهذا هو مستقرها الزماني، قال قتادة :﴿ لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ أي لوقتها ولأجلٍ لا تعدوه، وقيل : المراد أنها لا تزال تنتقل في مطالعها الصيفية إلى مدة لا تزيد عليها، ثم تنتقل في مطلع الشتاء إلى مدة لا تزيد عليها، وقرأ ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم ( والشمس تجري لا مستقر لها ) أي لا قرار لها ولا سكون، بل هي سائرة ليلاً ونهاراً لا تفتر ولا تقف، كما قال تبارك وتعالى :