﴿ وَسَخَّر لَكُمُ الشمس والقمر دَآئِبَينَ ﴾ [ إبراهيم : ٣٣ ] أي لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة، و ﴿ ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز ﴾ أي الذين لا يخالف ولا يمانع ﴿ العليم ﴾ بجميع الحركات والسكنات، وقد قدَّر ذلك ووقَّته على منوال، لا اختلاف فيه ونلا تعاكس، كما قال عزّ وجلّ :﴿ فَالِقُ الإصباح وَجَعَلَ الليل سَكَناً والشمس والقمر حُسْبَاناً ذلك تَقْدِيرُ العزيز العليم ﴾ [ الأنعام : ٩٦ ]، ثم قال جلّ وعلا :﴿ والقمر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ﴾ أي جعلناه يسير سيراً آخر، يستدل به على مضي الشهور، كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار، كما قال عزّ وجلّ :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج ﴾ [ البقرة : ١٨٩ ].
وقال تعالى :﴿ هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب ﴾ [ يونس : ٥ ] الآية، وقال تبارك وتعالى :﴿ وَجَعَلْنَا اليل والنهار آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ اليل وَجَعَلْنَآ آيَةَ النهار مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ﴾ [ الإسراء : ١٢ ]، فجعل الشمس لها ضوء يخصها، والقمر له نور يخصه، وفاوت بين سير هذه وهذا، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفاً وشتاء، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وجعل سلطانها بالنهار فهي كوكب نهاري، وأما القمر فقدره منازل يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلاً قليل النور، ثم يزداد نوراً في الليلة الثانية ويرتفع منزلة، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء وإن كان مقتبساً من الشمس، حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر، حتى يصير ﴿ كالعرجون القديم ﴾ قال ابن عباس : وهو أصل العذق، وقال مجاهد ﴿ العرجون القديم ﴾ : أي العذق اليابس، يعني ابن عباس أصل العنقود من الرطب إذا عتق ويبس وانحنى، ثم بعد هذا يبديه الله تعالى جديداً في أول الشهر الآخر. وقوله تبارك وتعالى :﴿ لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر ﴾ قال مجاهد : لكل منهما حد لا يعدوه ولا يقصر دونه، وإذا جاء سلطان هذا ذهب هذا، وإذا ذهب سلطان هذا جاء سلطان هذا، وقال الحسن في قوله تعالى :﴿ لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر ﴾ قال : ذلك ليلة الهلال، وقال الثوري : لا يدرك هذا ضوء هذا ولا هذا ضوء هذا، وقال عكرمة في قوله عزّ وجلّ :﴿ لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر ﴾ يعني أن لكل منهما سلطاناً فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل، وقوله تعالى :﴿ وَلاَ اليل سَابِقُ النهار ﴾ يقول : لا ينبغي إذا كان الليل أن يكون ليل آخر حتى يكون النهار، فسلطان الشمس بالنهار، وسلطان القمر بالليل، وقال الضحّاك : لا يذهب الليل من هاهنا حتى يجيء النهار من هاهنا وأومأ بيده إلى المشرق، وقال مجاهد :﴿ وَلاَ اليل سَابِقُ النهار ﴾ المعنى أنه لا فترة بين الليل والنهار، بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة ولا تراخ، لأنهما مسخران دائبين يتطالبان طلباً حثيثاً، وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ يعني الليل والنهار والشمس والقمر كلهم ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ أي يدورون في فلك السماء، قال ابن عباس : في فلكه كفلكة المغزل، وقال مجاهد : الفلك كحديدة الرحى أو كفلكة المغزل، لا يدور المغزل إلا بها ولا تدور إلا به.


الصفحة التالية
Icon