يقول تعالى مخبراً عن خليله إبراهيم ﷺ، أنه بعدما نصره الله تعالى على قومه، وأيس من إيمانهم بعد ما شاهدوا من الآيات العظيمة، هاجر من بين أظهرهم وقال :﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إلى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصالحين ﴾ يعني أولاداً مطيعين يكونون عوضاً من قومه وعشيرته الذين فارقهم، قال الله تعالى :﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ ﴾ هذا الغلام هو ( إسماعيل ) عليه السلام، فإنه أو ولد بشر به إبراهيم عليه السلام، وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل لكتاب، بلى في نص كتابهم، أن إسماعيل عليه السلام ولد ولإبراهيم عليه السلام ست وثمانون سنة، وولد إسحاق وعمر إبراهيم ﷺ تسع وتسعون سنة، وعندهم أن الله تبارك وتعالى أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده، وفي نسخة أخرى : بكره، فأقحموا هاهنا كذباً وبهتاناً ( إسحاق ) ولا يجوز هذا لأنه مخالف لنص كتابهم، وإنما أقحموا إسحاق لأنه أبوهم، وإسماعيل أبو العرب، فحسدوهم، وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو ( إسحاق ) وحكي ذلك عن طائفة من السلف، حتى نقل عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أيضاً، وليس ذلك في كتاب ولا سنة، وما أظن ذلك تلقي إلا عن أحبار أهل الكتاب وأخذ ذلك مُسَلَّماً من غير حجة، وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه إسماعيل، فإنه ذكر البشارة بغلام حليم، وذكر أنه الذبيح، ثم قال بعد ذلك :﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصالحين ﴾، ولما بشرت الملائكة إبراهيم بإسحاق قالوا :﴿ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ﴾ [ الحجر : ٥٣ ]، وقال تعالى :﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [ هود : ٧١ ] أي يولد في حياتهما ولد يسمى يعقوب فيكون من ذريته عقبل ونسل، فكيف يمكن بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيراً؟ وإسماعيل وصف ههنا بالحليم لأنه مناسب لهذا المقام، وقوله تعالى ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعي ﴾ أي كبر وترعرع وصار يذهب مع أبيه ويمشي معه، قال ابن عباس ومجاهد :﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعي ﴾ بمعنى شب وارتحل، وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل ﴿ قَالَ يابني إني أرى فِي المنام أَنِّي أَذْبَحُكَ فانظر مَاذَا ترى ﴾ قال عبيد بن عمير : رؤيا الأنبياء وحي، ثم تلا هذه الآية :﴿ قَالَ يابني إني أرى فِي المنام أَنِّي أَذْبَحُكَ فانظر مَاذَا ترى ﴾ ؟، وإنما أعلم أبنه بذلك ليكون أهون عليه، وليختبر صبره وجلده وعزمه في صغره على طاعة الله تعالى و طاعة أبيه ﴿ قَالَ ياأبت افعل مَا تُؤمَرُ ﴾ أي امض لما أمرك الله من ذبحي، ﴿ ستجدني إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين ﴾ أي سأصبر وأحتسب ذلك عند الله عزّ وجلّ، وصدق صلوات الله وسلامه عليه فيما وعد، ولهذا قال الله تعالى :


الصفحة التالية
Icon