﴿ واذكر فِي الكتاب إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوعد وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ﴾ [ مريم : ٥٤ ]، قال تعالى :﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ أي فلما تشهدا وذكرا الله تعالى ( إبراهيم ) على الذبح و ( الولد ) شهادة الموت، وقيل :﴿ أَسْلَمَا ﴾ يعني استسلما وانقادا، إبراهيم امتثل أمر الله تعالى وإسماعيل طاعة لله وأبيه، ومعنى ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ : أي صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه، ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه، قال ابن عباس ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ أكبه على وجهه.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لما أمر لما أمر إبراهيم عليه السلام بالمناسك عرض له الشيطان عند السعي فسابقه، فسبقه إبراهيم ﷺ، ثم ذهب به جبريل عليه السلام إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات، حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى، فرماه بسبع حصيات، وثم تلَّه للجبين، وعلى إسماعيل ﷺ قميص أبيض : فقال له : يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره، فاخلعه حتى تكفني فيه، فعالجه ليخلعه، فنودي من خلفه :﴿ أَن ياإبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيآ ﴾ فالتفت إبراهيم، فإذا بكبش أبيض أقرن أعين.
وقوله تعالى :﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَن ياإبراهيم * قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيآ ﴾ أي قد حصل المقصود من رؤياك بإضجاعك ولدك للذبح، وذكر السيد وغيره أنه أمرَّ السكين على رقبته فلم تقطع شيئاً، بل حال بينها وبينه صفحة من نحاس، ونودي إبراهيم ﷺ عند ذلك ﴿ قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيآ ﴾، وقوله تعالى :﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين ﴾ أي هكذا نصرف عمن أطاعنا المكاره والشدائد، ونجعل لهم من أمرهم فرجاً ومخرجاً كقوله تعالى :﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾ [ الطلاق : ٢-٣ ]، قال تعالى :﴿ إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين ﴾ أي الاختبار الواضح الجلي حيث أمر بذبح ولده فسارع إلى ذلك، مستسلماً لأمر الله تعالى منقاداً لطاعته ولهذا قال تعالى :﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى ﴾ [ النجم : ٣٧ ]، وقوله تعالى :﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ عن علي رضي الله عنه قال : بكبش أبيض أعين أقرن قد ربط بسمرة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً، وروي عن سعيد بن جبير أنه قال : كان الكبش يرتع في الجنة، حتى شقق عنه ثبير، وكان عليه عهن أحمر، قال مجاهد : ذبحه بمنى عند النحر، وقال الثوري، عن ابن عباس في قوله تعالى :﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ قال : وعل، وقال الحسن : ما فدي إسماعيل عليه السلام إلا بتيس من الأروى، أهبط عليه من ثبير.
( ذكر الآثار الواردة بأنه إسماعيل ﷺ وهو الصحيح المقطوع به )
تقدمت الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه إسحاق ﷺ، وروى مجاهد وعطاء وغير واحد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه ( إسماعيل ) ﷺ، وروى ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، أنه قال : المفدى إسماعيل عليه السلام، وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود، وروى مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : الذبيح إسماعيل، وقال مجاهد : هو إسماعيل ﷺ، وقد رأيت قرني الكبس في الكعبة، وقال محمد بن إسحاق، عن الحسن البصري : أنه كان لا يشك في ذلك أن الذي أمر بذبحه من ابني إبراهيم ( إسماعيل ) عليه السلام، قال ابن إسحاق : وسمعت محمد بن كعب القرظي وهو يقول : إن الذي أمر الله تعالى إبراهيم بذبحه من ابنيه ( إسماعيل ) وإنا لنجد ذلك في كتاب الله تعالى، وذلك أن الله تعالى حين فرغ من قصة المذبوح من ابنَيْ إبراهيم قال تعالى ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصالحين ﴾، ويقول الله تعالى :


الصفحة التالية
Icon