قد تقدمت قصة يونس ﷺ في سورة الأنبياء، وفي « الصحيحين » عن رسول الله ﷺ أنه قال :« ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى »، ونسبه إلى أمه، وفي رواية إلى أبيه، وقوله تعالى :﴿ إِذْ أَبَقَ إِلَى الفلك المشحون ﴾ قال ابن عباس : هو الموقر أي المملوء بالأمتعة، ﴿ فَسَاهَمَ ﴾ أي قارع ﴿ فَكَانَ مِنَ المدحضين ﴾ أي المغلوبين، وذلك أن السفينة تلعبت بها الأمواج من كل جانب، وأشرفوا على الغرق، فساهموا على أنّ من تقع عليه القرعة يلقى في البحر، لتخف بهم السفينة، فوقعت القرعة على نبي الله ( يونس ) ﷺ ثلاث مرات، وهم يضنّون به أن يلقى من بينهم، فتجرد من ثيابه ليقلي نفسه، وهم يأبون عليه ذلك، وأمر الله تعالى حوتاً أن يلتقم يونس عليه السلام، فالتقمه الحوت وذهب به فطاف به البحار كلها، ولما استقر يونس في بطن الحوت حسب أنه قد مات، ثم حرك رأسه ورجليه وأطرافه، فإذا هو حي، فقال فصلى في بطن الحوت، وكان من جملة دعائه :« يا رب اتخذت لك مسجداً في موضع لم يبلغه أحد من الناس »، واختلفوا في مقدار ما لبث في بطن الحوت، فقيل ثلاثة أيام، وقيل : سبعة، وقيل أربعين يوماً، وقال مجاهد : التقمه ضحى ولفظه عشية، والله تعالى أعلم بمقدار ذلك. وقوله تعالى :﴿ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ قيل : لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء، وقال الضحّاك واختاره ابن جرير. وفي الحديث :« تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ». وقال ابن عباس والحسن وقتادة ﴿ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين ﴾ يعني المصلين، وقال بعضهم كان المسبحين في جوف أبويه، وقيل : المراد ﴿ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين ﴾ هو قوله عزّ وجلّ :﴿ فنادى فِي الظلمات أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين ﴾ [ الأنبياء : ٨٧ ]. روى ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك رضي الله عنه يرفعه :« إن يونس النبي ﷺ حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت، فقال : اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إن كنت من الظالمين، فأقبلت الدعوة تحن بالعرش، قالت الملائكة : يا رب هذا صوت ضعيف معروف من بلاد بعيدة غريبة، فقال الله تعالى : أما تعرفون ذلك؟ قالوا : يا رب ومن هو؟ قال عزّ وجلّ : عبدي يونس، قالوا : عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مستجابة، قالوا : يا رب أولا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه في البلاء؟ قال : بلى، فأمر الحوت فطرحه بالعراء ».


الصفحة التالية
Icon