ولهذا قال تعالى :﴿ فَنَبَذْنَاهُ ﴾ أي ألقيناه ﴿ بالعرآء ﴾، قال ابن عباس : وهي الأرض التي ليس بها نبت ولا بناء، قيل : على جانب دجلة، وقيل : بأرض اليمن، فالله أعلم، ﴿ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴾ أي ضعيف البدن، قال ابن مسعوود رضي الله عنه : كهيئة الفرخ ليس عليه ريش، وقال السدي : كهيئة الصبي حين يولد، وهو المنفوس، ﴿ وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ ﴾ قال ابن مسعود وابن عباس :( اليقطين ) هو القرع، وقال سعيد بن جبير : كل شجرة لا ساق لها فهي من اليقطين، وفي رواية عنه : كل شجرة تهلك من عامها فهي من اليقطين، وذكر بعضهم في القرع فوائد : منها سرعة نباته، وتظليل ورقه لكبره ونعومته، وأنه لا يقربها الذباب، وجودة تغذية ثمره، وأنه يؤكل نيئاً ومطبوخاً بلبه وقشره أيضاً، وقد ثبت أن رسول الله ﷺ كان يحب الدباء، ويتبعه من حواشي الصحفة، وقوله تعالى :﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾، روي عن ابن عباس أنه قال : إنما كانت رسالة يونس ﷺ بعدما نبذه الحوت، وقال مجاهد : أرسل إليهم قبل أن يلتقمه الحوت، قلت : ولا مانع أن يكون الذين أرسل إليهم أولاً أمر بالعودة إليهم بعد خروجه من الحوت، فصدقوه كلهم وآمنوا به، وحكى البغوي : أنه أرسل إلى أمة أخرى بعد خروجه من الحوت كانوا مائة ألف أو يزيدون، وقوله تعالى :﴿ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾ قال ابن عباس : بل يزيدون، وكانوا مائة وثلاثين ألفاً، وقال سعيد بن جبير : يزيدون سبعين ألفاً؛ وقال مكحول : كانوا مائة ألف وعشرة آلاف، وقال ابن جرير، عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه سأل رسول الله ﷺ عن قوله تعالى :﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾ قال : يزيدون عشرين ألفاً. وقد سلك ابن جرير هاهنا ما سلكه عند قوله تعالى :﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذلك فَهِيَ كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ [ البقرة : ٧٤ ]، المراد ليس أنقص من ذلك بل أزيد، وقوله تعالى :﴿ فَآمَنُواْ ﴾ أي فآمن هؤلاء القوم الذين أرسل إليهم يونس عليه السلام جميعهم، ﴿ فَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ ﴾ أي إلى وقت آجالهم، كقوله جلت عظمته ﴿ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخزي فِي الحياة الدنيا وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ ﴾ [ يونس : ٩٨ ].


الصفحة التالية
Icon