يخبر تعالى أن أصل الماء في الأرض من السماء، كما قال عزّ وجلّ :﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً طَهُوراً ﴾ [ الفرقان : ٤٨ ] فإذا أنزل الماء من السماء كَمَن في الأرض، ثم يصرفه تعالى في أجزاء الأرض كما يشاء، وينبعه عيوناً ما بين صغار وكبار، بحسب الحاجة إليها، ولهذا قال تبارك وتعالى :﴿ فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرض ﴾، عن ابن عباس قال : ليس في الأرض ماء إلا نزل من السماء، ولكن عروق في الأرض تغيره، فذلك قوله تعالى :﴿ فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرض ﴾ فمن سره أن يعود الملح عذباً فليصعده، وقال سعيد بن جبير : أصله من الثلج يعني أن الثلج يتراكم على الجبال، فيسكن في قرارها، فتنبع العيون من أسفلها، وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ﴾، أي ثم يخرج بالماء النازل منا لسماء، والنابع من الأرض ﴿ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ﴾ أي أشكاله وطعومه، وروائحه ومنافعه، ﴿ ثُمَّ يَهِيجُ ﴾ أي بعد نضارته وشبابه يكتهل، فنراه مصفراً قد خالطه اليبس، ﴿ ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً ﴾ أي ثم يعود يابساً يتحطم، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى لأُوْلِي الألباب ﴾ أي الذين يتذكرون بهذا، فيعتبرون إلى أن الدنيا هكذا تكون خضرة ناضرة حسناء، ثم تعود عجوزاً شوهاء، والشاب يعود شيخاً هرماً، كبيراً ضعيفاً، وبعد ذلك كله الموت؛ فالسعيد من كان حاله بعده إلى خير، وقوله تبارك وتعالى :﴿ أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ على نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ أي هل يستوي هذا، ومن هو قاسي القلب بعيد من الحق؟ كقوله عزّ وجلّ :﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي الناس كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ﴾ [ الأنعام : ١٢٢ ] ؟ ولهذا قال تعالى :﴿ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ الله ﴾ أي فلا تلين عند ذكره، ولا تخشع و لا تعي ولا تفهم ﴿ أولئك فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾.


الصفحة التالية
Icon