وقوله جلا وعلا :﴿ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ أي لو كان هذا كاذباً كما تزعمون، لكان أمره بيناً يظهر لكل أحد في أقواله وأفعاله، وهذا نرى أمره سديداً ومنهجه مستقيماً، ولو كان من المسرفين الكذابين، لما هداه الله وأرشده إلى ما ترون من انتظام أمره وفعله، ثم قال المؤمن محذراً قومه زوال نعمة الله عنهم وحلول نقمة الله بهم :﴿ ياقوم لَكُمُ الملك اليوم ظَاهِرِينَ ﴾ أي قد أنعم الله عليكم بهذا الملك، والظهور في الأرض بالكلمة النافذة والجاه العريض، فراعوا هذه النعمة بشكر الله تعالى وتصديق رسوله ﷺ، واحذروا نقمة الله إن كذبتم رسوله ﴿ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله إِن جَآءَنَا ﴾ أي لا تغني عنكم هذه الجنود وهذه العساكر ولا ترد عنا شيئاً من بأس الله إن أرادنا بسوء. ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ ﴾ لقومه راداً على ما أشار به هذا الرجل الصالح البار الراشد ﴿ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أرى ﴾ أي ما أقو لكم وأشير عليكم إلا ما أراه لنفسي، وقد كذب فرعون فإنه كان يتحقق صدق موسى عليه السلام فيما جاء به من الرسالة، ﴿ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هؤلاء إِلاَّ رَبُّ السماوات والأرض بَصَآئِرَ ﴾ [ الإسراء : ١٠٢ ]، وقال الله تعالى :﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ﴾ [ النمل : ١٤ ]، فقوله :﴿ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد ﴾ كذب فيه وافترى، وخان رعيته فغشهم وما نصحهم، وكذا وله :﴿ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أرى ﴾ أي وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصدق والرشد، وقد كذب أيضاً في ذلك وإن كان قومه قد أطاعوه واتبعوه، قال الله تبارك وتعالى :﴿ فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾ [ هود : ٩٧ ]، وقال جلَّت عظمته :﴿ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هدى ﴾ [ طه : ٧٩ ]. وفي الحديث :« ما من إمام يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام ».