هذا إخبار من الله عزّ وجلّ عن هذا الرجل الصالح ( مؤمن آل فرعون ) أنه حذر قومه بأس الله تعالى في الدنيا والآخرة، فقال :﴿ ياقوم إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ الأحزاب ﴾ أي الذين كذبوا رسل الله في قديم الدهر كقوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم من الأمم المكذبة، كيف حل بهم بأس الله وما رده عنهم راد ولا صده عنهم صاد ﴿ وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ ﴾، أي إنما أهلكهم الله تعالى بذنوبهم وتكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره، فأنفذ فيهم قدره، ثم قال :﴿ وياقوم إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد ﴾ يعني يوم القيامة، وسمي بذلك لما جاء في حديث الصور إن الأرض إذا زلزلت وانشقت من قطر إلى قطر، وماجت وارتجت، فنظر الناس إلى ذلك ذهبوا هاربين ينادي بعضهم بعضاً، وقال الضحاك : بل ذلك إذا جيء بجهنم ذهب الناس هراباً منهم، فتتلقاهم الملائكة فتردهم إلى مقام المحشر وهو قوله تعالى :﴿ والملك على أَرْجَآئِهَآ ﴾ [ الحاقة : ١٧ ]، وقيل : لأن الميزان عنده ملك إذا وزن عمل العبد فرجح نادى بأعلى صوته، ألا قد سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإن خف عمله نادى ألا قد شقي فلان بن فلان، وقيل : سمي بذلك لمناداة أهل الجنة أهل النار ﴿ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ ﴾ [ الأعراف : ٤٤ ]، ومناداة أهل النار أهل الجنة ﴿ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ المآء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله قالوا إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين ﴾ [ الأعراف : ٥٠ ]، ولمناداة أصحاب الأعراف أهل الجنة، وأهل النار كما هو مذكور في سورة الأعراف، واختار البغاوي وغيره أنه سمي بذلك لمجموع ذلك، وهو قول حسن جيد، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ﴾ أي ذاهبين هاربين، ﴿ مَا لَكُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ ﴾ أي لا مانع يمنعكم من بأس الله وعذابه ﴿ وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ أي من أضله الله فلا هادي له غيره، وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات ﴾ يعني أهل مصر قد بعث الله فيهم رسولاً من قبل موسى ﷺ وهو ( يوسف ) ﷺ كان عزيز أهل مصر، وكان رسولاً يدعو إلى الله تعالى أمته بالقسط، فما أطاعوه تلك الطاعة إلا بمجرد الوزارة والجاه الدنيوي، ولهذا قال تعالى :﴿ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ حتى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً ﴾ أي يئستم فقلتم طامعين ﴿ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً ﴾ وذلك لكفرهم وتكذيبهم، ﴿ كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ ﴾ أي كحالكم هذا يكون حال من يضله الله لإسرافه في أفعاله وارتياب قلبه، ثم قال عزّ وجلّ :﴿ الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ﴾ أي الذين يدفعون الحق بالباطل ويجادلون الحجج بغير دليل وحجة معهم من الله تعالى، فإن الله عزّ وجلّ يمقت على ذلك أشد المقت، ولهذا قال تعالى :﴿ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله وَعِندَ الذين آمَنُواْ ﴾ أي والمؤمنون أيضاً يبغضون من تكون هذه صفته، فإن من كانت هذه صفته يطبع الله على قلبه، فلا يعرف بعد ذلك معروفاً ولا ينكر منكراً، ولهذا قال تبارك وتعالى ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ ﴾ أي على اتباع الحق ﴿ جَبَّارٍ ﴾ قال قتادة : آية الجبابرة القتل بغير حق، والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon